الكفايات حاجة اجتماعية و اقتصادية أم موضة تربوية
بقلم عبد الرحيم كلموني:مفتش تربوي
بالتعليم الثانوي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الكفايات في التعليم,أو عن "المقاربة الكفائية " أو " المقاربة بالكفايات" في المغرب سيرا على نهج الكثير من دول العالم سواء المتقدم أو السائر في طريق النمو.وإذا كان النقاش محتدا في الغرب, بين المبشرين بهذه المقاربة الجديدة الذي ستكون لها, حسب تصورهم, نتائج باهرة على المتعلم و من ثم على المجتمع الذي يجعل من قطاع التربية و التعليم المجال الأول للاستثمار, وبين المشككين الرافضين لهذه المقاربة التي يرون فيها تعبيرا عن ازدهار الإيديولوجيا اليمينية التي تريد إخضاع التربية و التعليم لاقتصاد العولمة و الليبرالية و قيم الفعالية و المردودية و جعل المدرسة في خدمة الليبراليين الجدد, و بين أولئك الذين يحاولون أن يجدوا طريقا سالكا وسط هذه الغابة الكثيفة من المفاهيم و المصطلحات التي تنطوي على كثير من اللبس, علهم يتبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود و يحافظوا على المسافة النقدية التأملية في قضية ملغزة
و مرشحة للانزلاتقات و سوء التفاهم الدائم, فأن المشكل ,عندنا ,أشد تعقيدا و أكثر التباسا لأننا نتعامل مع الكثبر من الأمور التي لم يحسم النقاش حولها و كأنها مسلمات...
جرت العادة في المغرب أن نتخيل التغيير حاصلا, بمجرد تغيير المصطلح حتى كأن للغة قدرة سحرية خارقة فنتجاهل تلك المسافات الشاسعة بين القول و الفعل(Meirieu, 1996).فقد حصل معنا هذا الأمر مرارا و ثمة أمثلة لا يمكن تجاهلها: التعليم بواسطة الأهداف التي وجد المدرسون أنفسهم ملزمين باعتماده باعتباره العملة البيداغوجية الرسمية الوحيدة دون أن يعرفوا , في بداية الأمر, ما هو بالضبط.
لكن الآن ، و العالم كله يلهج بلفظ الكفايات , على طريقة التعليم بالأهداف أن تنسحب في صمت و قد تنكر لها حتى مريدوها الذين اعتبروها وقتئذ نهاية التربية( على غرار نهاية التاريخ).
إن أول الملاحظات التي يمكن أن تعن للمتتبع للشأن التربوي و البيداغوجي في بلادنا هي الخلط الحاصل في المصطلحات و المفاهيم ,إلى الحد الذي يجعل أي نقاش أو حوار أمرا أشبه بالمستحيل ,لأن حجم التباين في المفاهيم بلغ درجة يصعب معها التفاهم . إذا كانت بيداغوجيا الأهداف قد أغرقت في التجزيء و التدقيق و توحيد المفاهيم فإن المقاربة بالكفايات على النقيض من ذلك خلقت و ستخلق الكثير من مظاهر الالتباس و التشتت و البلبلة .و النقاش دائر اليوم على أشده بين المشتغلين بعلوم التربية في أوروبا حول دلالات هذا المفهوم و الانزلاقات التي حصلت في الممارسات البيداغوجية المرتبطة بهذه المقاربة الجديدة( أنظر مثلا Rey,1996))
وperrenoud,1997))
أية كفايات لأي مجتمع:
لا ينبغي أن نحمل المدرسة كل المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع و نجعل منها بيت الداء:فالمدرسة المغربية ليست هي المسؤولة عن ضعف النظام الاقتصادي و ضعف التأهيل الصناعي و وجود بنى اقتصادية غير مهيكلة و عدم وجود مناصب شغل بالمقدار الكافي و غياب التحديد المواصفاتي للحاجات المهنية, في مجتمع يعتمد بالدرجة الأولى على الفلاحة , و إن كان للسياسات التعليمية المتبعة منذ الاستقلال دور لا يمكن إنكاره في المآل الخطير الذي بلغته المدرسة المغربية في الوقت الراهن و التي يجعل أمر الإصلاح ضرورة ملحة و مستعجلة قبل فوات الفرصة الأخيرة.
لقد انصب اهتمام الكثير من دول العالم على السبل التي بمقدورها تحقيق جودة التعليم و الرفع من مردوديته و فائدته الاجتماعية و التنموية و مساهمته في الازدهار الاقتصادي و الرخاء البشري و كل ذلك في إطار مشروع تربوي و تنموي محدد و واضح المعالم. فدول الاتحاد الأوروبي , على سبيل المثال ، انكبت منذ عقد من الزمن تقريبا على تدقيق ما سمي بالكفايات المفاتيح ( باللغة الفرنسية cométences clés: و يالانجليزيةkey: skills ) ,فقد تمت إعادة النظر في بريطانيا في المناهج التعليمية خاصة المتعلقة بالتعليم الإجباري[ ما يسمى عندنا بالتعليم الأساسي] منذ منتصف التسعينيات, و يرجع ذلك إلى عدم رضا المشغلين ,منذ الثمانينيات,بمستوى الكفايات التي يتوفر عليها الوافدون الجدد على عالم الشغل من التلاميذ الذين ينهون تعليمهم الإجباري و يلتحقون بعالم الشغل, و لذا حددت كفايات تتجاوز القراءة و الكتابة و الحساب إلى القدرة على استخدام كفايات داخل سياقات جد متنوعة و تم التركيز منذ إصلاح المناهج التعليمية سنة 1995 على ثلاث كفايات هي المتعلقة بالتواصل,و باستعمال الحساب و بتكنولوجيا المعلومات.كما أعيد في سنة 2000 ترسيخ و تدقيق المقاربة المبنية على الكفايات المفاتيح أو الكفايات الأساس التي صارت كالتالي: التواصل,استخدام الأعداد, تيكنولوجيا المعلومات,تحسين التعلم و الإنجاز الشخصي, و أخيرا حل المشكلات...( Eurydice,2002, p157). في فرنسا حددت الكفايات المفاتيح بشكل واضح و دقيق بالنسبة للتعليم الإجباري في القراءة و الكتابة و الحساب مميزة بين كفايات عامة و أخرى خاصة أو نوعية. و هذه الكفايات محددة انطلاقا من كفاية أساسية هي التحكم في اللغة (نفسه,ص 99),إذا انتقلنا إلى مرتبة اشتقاق الكفايات النوعية الخاصة بالمواد نجد القرارالصادرفي 1997 ,;و الذي يحدد ما يسميه بأهداف السلك الإعدادي Le collège بخصوص تعليم اللغة الفرنسية ( لا يتحدث عن الكفايات) يؤكد على أن التعليم" الإعدادي" باعتباره أعلى مستوى للتعليم يستفيد منه جميع التلاميذ قبل تفرقهم في مسارات تعليمية و مهنية جد متباينة ينبغي أن يمد هم بنفس المعارف الأساسية في المجالين اللغوي و الثقافي,بالإضافة إلى حاجتهم و هم يقتربون من سن الرشد , و يتحولون إلى مشاركين فاعلين في الحياة الاجتماعية ,إلى أن يكونوا في مستوى التعبير عن أحكامهم و بنائها.هذه " الغاية"Finalité كما يسميها واضع المقرر تترجم إلى الأهداف الأساسية التالية:
ـــ منح التلاميذ التحكم في أهم الأشكال الخطابية.
ـــ إعطاؤهم وسائل صياغة الأحكام الشخصية و التعبير عنها بحيث تكون مسموعة و مفهومة.
ـــ منحهم المعارف الثقافية الأساسية الضرورية لتشكيل هويتهم الشخصية و الاجتماعية,
ـــ تمكينهم من إغناء مخيالهم , و التدرب على فهم الأشكال الرمزية.
و فيما يتعلق بالأشكال الخطابية ,فأن المتوالية العامة في السلك الإعدادي هي التالية:
ـــ في السنة الأولى( السادسة في النظام الفرنسي): دراسة الحكي , كشف الحجج( في نص حجاجي).
ـــ في السنتين الثانية و الثالثة( الخامسة و الرابعة في النظام الفرنسي) :تعميق دراسة الحكي و التوجه نحو إدخال الوصف و الحوار,مقاربة الخطاب التفسيري التي تهيئ لدراسة الحجاج.
ـــ السنة الرابعة( الثالثة في النظام الفرنسي) :دراسة الحجاج , و متابعة دراسة الأشكال الخطابية الأخرى.
لا يسمح المقام باستعراض كل التفاصيل المتعلقة بالمنهاج الفرنسي و لكن تجدر الإشارة إلى أن كل مكونات مادة اللغة الفرنسية تتضافر من أجل تحقيق الأهداف( الكفايات؟) المسطرة.(JO,21janvier,1997)
يبدو أن هذه الكفايات التي يراد للمتعلم الغربي أن يمتلكها نابعة من حاجات اجتماعية و اقتصادية وسياسية واضحة ومن تصور محدد للتلميذ المواطن في مجتمع ديموقراطي متعدد ومنفتح.لا يعني هذا البتة أن حسن صياغة الأهداف أو الكفايات و بناءها باستلهام النظريات البيداغوجية المتطورة يجعلها تتحقق تلقائيا في الفصول الدراسية.
من الميثاق إلى المنهاج
يبدو واضحا أنه ,كلما نزلنا من الدرجة العليا إلى الدرجة التي تليها في سلم مراتب القرار و المسؤولية كلما التبست الأمور أكثر: إن الأوتوبيا التي تبشر بها القرارات العليا تتبخر بالتدريج و هي تفعل و تصاغ في إجراءات عملية لكي لا يتبقى من لغتها الفخمة الحالمة ,عندما ينتهي بها المطاف إلى غرف الأقسام المغلقة , سوى نتف من الإجراءات الشكلية الغارقة في التجزيء و العقم في أغلب الأحيان ...ذلك المعنى المتمنع الذي تريد الوثائق التي تدبج هناك ,في أعلى مراتب القرار, أن تصبغه على المدرسة و ما يرتبط بها يتلاشى كلما توغل في طريقه نحو التنفيذ أي نحو حتفه.
إن الميثاق الوطني للتربية و التكوين, وهو يبشر بمدرسة " جديدة" و قائمة على" المنهج التربوي النشيط " ( الميثاق, ص 11) يستعمل لغة فخمة متفائلة,ترى نجاح المشروع التربوي( المشروع؟) على مرمى حجر ( على مرمى درس، سنة دراسية,أو سلك دراسي).و لكن الطريق مزروع بالتشكك و اللامبالاة و الارتجال و عدم التأهيل و ضعف الإمكانيات و شح الوسائل و كل الأشكال الظاهرة و الخفية لمقاومة الإصلاح...
من السهل تدبيج صفحات مطولة حول التصورات العامة و المواصفات التي على المدرسة توفيرها في المتعلم و حشد العبارات الفخمة و ترصيعها بأكبر قدر من النعوت الإيجابية,لكن من الصعب تحويل كل ذلك أو بعضه إلى حقيقة في ظل أوضاع تنذر بالخطر..
الكفايات التربوية بين الميثاق و البرامج التعليمية.
يرد مصطلح كفاية في الميثاق الوطني للتربية و التكوين خصوصا في الدعامة الثالثة المتعلقة بالسعي إلى ملاءمة النظام التربوي و المحيط الاقتصادي و بالأخص عند الحديث عن التكوين المستمر لتلبية حاجات المقاولة( من المادة 52 إلى المادة 57 ) و بالرغم من أنه يذكر مصطلح الكفايات في مجال التنظيم البيداغوجي في الدعامة الرابعة( الكفايات المرتبطة باستقلالية المتعلم,و المرتبطة المجالات التقنية و المهنية و الرياضية و الفنية,و كفايات البرهان و التواصل و التعبير و تنظيم العمل و البحث المنهجي) فإن السمة المهنية و التقنية لهذا المفهوم المثير للجدل هي البارزة بالإضافة إلى إيراد الكثير من المصطلحات الأخرى المرتبطة من قريب او بعيد بمفهوم الكفايات مثل: الأهداف( العامة و الخاصة) المهارات و القدرات و المؤهلات و المواصفات...يبدو أن للطابع التفاوضي و التوفيقي لصياغة نص الميثاق و تعدد الأطراف المشاركة دورا في تذبذب الجهاز المصطلحي المستعمل و اضطراب المفاهيم.ثم إن هناك ملاحظة أساسية لعلها من نتائج هذا الطابع التوفيقي وهي عدم تدقيق الكفايات الأساسية بالنسبة للتعليم الإلزامي و التعدد المبالغ فيه للأهداف ( الكفايات؟) على نحو يعكس الغموض الحاصل في صورة التلميذ المتخرج من التعليم الإجباري الذي هو أعلى تعليم مشترك لجميع المتعلمين.
إذا انتقلنا إلى مستوى البرامج الدراسية ,فإن المتصفح لما سمي بالكتاب الأبيض يخرج بمجموعة من الملاحظات الأولية منها:
ــ عكس ما تدعيه الوثيقة , ليس هناك أي تنسيق بين التخصصات و الأسلاك التعليمية إذ يعمد كل واحد إلى استخدام مفهوم الكفاية استخداما خاصا بل و مثيرا للاستغراب في بعض الأحيان, كما هو الحال في تقسيم الكفايات إلى أساسية و نوعية في برامج التعليم الابتدائي على النحو الذي يوحي باشتقاق الثانية من الأولى.و مجرد نظرة خاطفة تكفي للتأكد من واضعي البرامج يريدون ما كان يدرج في الأهداف العامة و الأهداف الخاصة. لا يقف الأمر عند اضطراب مفهوم الكفاية بل تصل إلى حد غير مقبول من الشطط و العسف يوحي بأن هذه القوائم التي حشدت فيها أشتات من الأهداف لم تخضع حتى للمراجعة و التشذيب.لايسمح المقام باستعراض اضطراب الأهداف و الذي ينتج في غالب الأحيان ليس فقط لغياب خلفية بيداغوجية و ديداكتيكية واضحة و كافية,و لكن لغياب تدقيق المفاهيم الاولية المرتبطة بالتخصص التعليمي( ننطلق من برامج اللغة العربية ) والتي تتجلى في عدم ملاءمة مفهوم الجنس الأدبي و النوع الخطابي:مثال من برامج الابتدائي:جعلوا كفاية نوعية الهدف التالي:أن يكون المتعلم قادرا على تعرف و استثمار أنواع النصوص من وظيفية(؟) أدبية شعرية و نثرية, و وثيقية, و مسترسلة, و علمية, و اجتماعية و تاريخية, و قصصية,مقالة خطبة,إلخ. و الظاهر أن واضعي المنهاج اعتمدوا في تعداد أنواع النصوص على التداعي الحر وحده.
في المستوى الإعدادي , تتبنى وثيقة الاختيارات و التوجهات التربوية خمسة أنواع من الكفايات هي
الكفايات التواصلية/ الكفايات المنهجية/الكفايات الثقافية/الكفايات الاستراتيجية / الكفايات التكنولوجية ). ولا يخفى أن هذه الأنواع هي التي تم تبنيها في ما سمي باصلاح ابرامج الخاصة بالتعليم الثانوي سنة1994 ; ,أقل ما يمكن أن يقال عن هذه الأنواع من الكفايات أنها ملتبسة وعامة يمكن عدها كفايات مستعرضة( أو ممتدة؟) :الكفايات الاستراتيجية مثلا هل المراد بها الكفايات ذات الطبيعة الاجتماعية و العلائقية؟ و إذا كان الأمر كذلك هل يمكن خضاعها لتقويم ما و كيف ذلك ؟ هل الكلمات القليلة التي عرفت بها كافية إجلاء المقصود بها؟ و نفس الشيء يقال عن الكفايات المنهجية:التعريف يضاعف من الالتباس:منهجية للتفكير و تطوير مدارجه العقلية....إلخ و ما علاقة الأخلاقيات( استدماج أخلاقيات المهن و الحرف و الأخلاقيات المرتبطةبالتطور العلمي و التكنولوجي بارتباط مع القيم الدينية و الحضارية و قيم المواطنة و قيم حقوق الإنسان و مبادئها الكونية( وثيقة الاختيارات و التوجهات..).هل هناك خلط و التباس أكثر من هذا؟إلى أي حد يمكن أن نتكلم عن كفايات ثقافية إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبية الثقافة و شساعة المعارف خصوصا مع الانفجار المعلوماتي؟ما هي اختياراتنا التربوية بخصوص علاقة المعارف بالكفايات ؟..
هذه عينة قليلة من الأسئلة التي تعن للملاحظ منذ الوهلة الأولى, و التي تعكس جانبا من الحيرة و الارتباك اللذين طبعا الاختيارات و التوجهات التربوية.
لنبق في تخصص تعليمي واحد هو اللغة العربية لنلمس في حدود ما يسمح به المقام المدى الذي بلغه الارتجال في ما سمي باصلاح المناهج التعليمية( لنستعمل لغة أكثر تواضعا ونقول المقررات): لقد تبنى واضعو البرنامج نفس الكفايات دون التساؤل عن طبيعتها أهي كفايات نوعية تخصصية أم كفايات مستعرضة( توجد في ملتقى المواد الدراسية) و قابلة للنقل.لا يكفي أن نفردها ( نحولها من الجمع إلى المفرد) لتبدل طبيعتها وتصير نوعية.
بقي أن ندلي ببعض الملاحظات عن البرنامج الذي اختير في مادة اللغة العربية في الإعدادي:
ـــ في المدخل المخصص للحديث عن برنامج السلك الإعدادي أشارت اللجنة المشرفة على وضع البرنامج إلى أنها اعتمدت مقاربة شاملة تجمع بين القيم و الكفايات. فهل المقاربة الشاملة هي فقط الجمع بين القيم و الكفايات؟
ـــ ثم هل تم فعلا اعتماد المهارات و القدرات في درس القراءة؟ أم أن هنالك تكريسا للمقررات التقليدية ذات المنحى الموسوعي باعتماد تصنيفات فضفاضة لا تتمتع بالملاءمة البيداغوجية و الديداكتيكية سميت بالمجالات ؟ و الملاحظ أن هناك التباسا بالغا في تحديد هذه المجالات و ترتيبها:هل يمكن عزل القيم الاسلامية عن بقية القيم الأخرى : القيم الإنسانية مثلا؟ هل من الضروري أن نفرد لها مجالات خاصة أم من الأجدر أن تخترق المنهاج التعليمي بكامله من خلال مواد حاملة؟ أليس في ذلك خطر الانغلاق في تصورات غير صحيحة حول الدين.إن تحديد هذه المجالات مشوب بالكثير من الاضطراب و التعسف: أليس المجال الاجتماعي و الاقتصادي مجالين؟ ما علاقة الأمثال الشعبية بالمجال الفني؟ يحار المتتبع وهو يتساءل ما هي ( الكفايات؟) التي يراد تنميتها لدى المتعلم في السلك الإعدادي ؟ و ما المجهود الذي بذل في بناء المقرر إذا علمنا انه نسخة عن البرنامج السابق الذي بدوره نسخة عن البرامج القديمة ( منذ السبعينيات أو أكثر) و الذي كان يطبق من السنة الأولى الإعدادي حتى القسم الثانوي النهائي خاصة في شعبة العلوم, ولم تكلف اللجنة نفسها حتى مراجعة وفحص التقسيمات التي وضعت مرة واحدة و يتم اجترارها حتى اليوم خصوصا في عهد الحديث عن بناء الكفايات, و كأن هناك برنامج واحد يتكرر, أو كأن برنامج اللغة العربية صيغ مرة واحدة و إلى الأبد؟
ـــ ما حقيقة ما سمي بـ " المقاربة التواصلية" في درس اللغة؟هل هو استجابة لأسئلة معرفية و بيداغوجية أم مجرد مصطلحات تزيد الطين بلة خصوصا و أن هذه المقاربة اللسانية ـ البيداغوجية و التي ارتبطت أكثر بتعلم اللغات الأجنبية, و حدود هذه المقاربة و أبعادها ما تزال غير معروفة .ثم هل تتلاءم اللغة العربية معها؟ و لا ننسى معارف المدرس بهذا الخصوص.إن من العبث الذي لا طائل منه مسايرة الموضات البيداغوجية حتى يقال إن المناهج تطورت و "تم تحديثها".كما أن لا جدوى من إخفاء المشاكل المرتبطة بتدريس اللغة العربية ( التي تدرس بالقواعد كلغة ميتة) وراء مصطلحات ملتبسة.وما انطبق على القراءة ينطبق على دروس اللغة التي نقلت حرفيا عن البرامج السابقة دون بذل أي مجهود في بنائها بشكل نسقي مرتبط مع الأهداف المراد تحقيقها بما يناسب المقاربة بالكفايات .
ــ دروس التعبير الكتابي اعتمدت قائمة عريضة من المهارات لم يراع فيها التكامل مع المكونات الاخرى ( القراءة و الدرس اللغوي) و لم تخضع لأي بناء نسقي تدريجي يراعي درجات الصعوبة و الأشكال الخطابية التي تندرج فيها النصوص التي يراد من التلميذ أن ينتجها,( هذه نماذج من عشوائية الترتيب و التصنيف فمهارة التفسير و التوسيع تدرس في السنة الأولى ومهارة التلخيص في السنة الثانية مع أن الأصوب هو قلب ترتيبهما مراعاة للتدرج/ الإنتاج الصحفي كرواية خبر انطلاقا من مصدر معين في السنة الأولى و التدريب على تخيل حكاية عجيبة .. في السنة الثالثة (هل التخيل مهارة أم قدرة؟).) فما هو المعيار المعتمد في بناء المهارات و ترتيبها ؟والجلي أنه ليس هناك متوالية بيداغوجية بل هناك حشد لمحتويات متنافرة و مباحث صرفية و تركيبية متباينة و مهارات )؟.
ــ هذه مجرد ملاحظات سريعة ولكنها تبين مدى ارتباك المفاهيم و ضحالة العمق البيداغوجي الكفائي و الركون إلى السهل الجاهز.
أسئلة ملحة لا بد منها:
من الأسئلة التي تكتسب مشروعيتها و ملاءمتها حين الحديث عن مقاربة كفائية للبرامج الدراسية:
ــــ ما علاقة الكفايات بالمعارف المراد تدريسها:كيف نوفق بين الكفايات التي نريد من التلميذ أن يمتلكها و يمارسها خاصة الكفايات القابلة للنقل Transférables و المعارف التي نقدر أن من واجبه امتلاكها بالنظر إلى الوقت التي تتطلبه تنمية الكفايات في الفصول الدراسية وما يتطلبه من جهد في تدقيق المعارف الضرورية في حقل التربية؟
ـــ ما مدى وضوح الأهداف التربوية المتوخاة من برنامج ما ,سلك ما,مسار تعليمي ما, و وضوح المفاهيم البيداغوجية و الديداكتيكية المستعملة و انتظامها في مفاهيم معيار تشكل مرجعا رسميا يجعل النقاش حوله ممكنا؟ كل ذلك مع الحرص الشديد على تبني لغة أكثر تواضعا تحدد حاجيات ملحة و تتصور أهدافا أساسية و قابلة للتحقيق في زمن و مكان محددين : ما الكفايات الأساسية التي نريد ـ مثلاـ من المتعلم المغربي أن يطورها في التعليم الإلزامي( الأساسي) بدل أن نتصور دائما أن كل سلك يقود إلى آخر.(كما أن المدرسة لا يمكن أن تقوم بكل شيء لأن جعلها تحتكر كل القيم و كل المعارف و كل التعلمات لوحدها مضاد للتربية كما يقول روبول( روبول,1994,ص33).
ـــ ما مقدار الانسجام الأفقي بين مكونات المواد المختلفة في إطار تداخل التخصصات و إغناء بعضها للبعض الآخر؟و الانتماء إلى مرجعيات نظرية و بيداغوجية مشتركة أثناء صياغة البرامج التي ينبغي أن تكون نوعية لا تكتفي بمراكمة المحتويات ؟
ـــ ما الجهد الذي بذل في تكوين و إعادة تكوين المدرس الذي سيتولى التدريس باعتماد الكفايات؟. إن اصلاح التعليم بإدخال المقاربة عن طريق الكفايات يحتاج إلى مدرسين مؤهلين ملمين بمبادئ البيداغوجيا الحديثة و أسس ديداكتيكا تخصصاتهم المهنية بالإضافة إلى الخبرة و التجربة و اتساع الأفق المعرفي. و المؤسف أن هذا الكلام المتعلق بتأهيل المدرسين يتم باستمرار الالتفاف حوله و تأجيله . يجدر التذكير بأن احسن تكوين بالنظر إلى الاختلالات العميقة لنظامنا التربوي يبقى هو التكوين الذاتي الذي يقوم به المدرس المحب لمهنته و المنشغل على الدوام بممارسته الميدانية التي تضعه باستمرار أمام مشاكل مهنية عليه حلها.
ـــ إعادة النظر في توزيع الزمن المدرسي و اشتغال الفضاءات التربوية,و أعداد التلاميذ في الفصول الدراسية.فللإصلاح كلفة مادية بدونها يصير الخطاب الرسمي حول الاصلاح التربوي خطابا للخداع.لأنه
لا يمكن الحديث عن مناهج تربوية مبنية على مقاربة بالكفايات دون إحداث إبدالات حقيقية في البنية التحتية و طرائق العمل :إن المقاربة بالكفايات تتطلب تعليما أكثر تفريدا معتمدا على أساليب ديداكتيكية متجددة تعتمد على حل المشكلات و بالتالي أقساما أقل اكتضاضا.كما تستدعي مناخا مؤسسيا قائما على التعاون من أجل جعل المشاريع البيداغوجية قابلة للتنفيذ...كل ذلك بالأضافة إلى إعادة النظر في طرائق التقويم بما يلائم المقاربة بالكفايات..
ماهي غايات الاصلاح التربوي ؟ما هي أسئلته التي يجيب عنها(جدوى التعليم,وظيفة المدرسة في المجتمع,العوائق الذاتية و الموضوعية....).سنضيع الكثير ون الوقت في مناقشة عديمة الجدوى حول معنى الكفايات و تصنيفاتها و اشتقاقاتها المعجمية مستنجدين بالمعاجم المتخصصة,و سنضيع الكثير من الجهود دون أن نحقق المطلوب طالما تنكرنا للوقائع المربكة و التففنا حولها.
إن في هذه العينة من الأسئلة و إن كانت تبدو تعجيزية دعوة للتأمل و المساءلة. فبدون الإجابة عنها سنراوح في مكاننا لننظر إلى الفرص و هي تضيع تباعا , ولننتظر كل خيبات الأمل القادمة خلف الأوتوبيا الحالمة التي تبشر بها المراسيم و المذكرات و التقارير المطولة التي تركن في رفوف الأرشيفات ليدفنها الغبار و النسيان.
المراجع:
· P.Perrenoud,1997,Construire des compétences dès