المدير
علم الدولة : الجنس : عدد المواضيع و المشاركات : 1675 المهنة : تاريخ التسجيل : 23/12/2008 نقاط : 3702 السٌّمعَة : 31
| موضوع: نحو فهم أصيل لبيداغوجيا الكفايات 11.09.10 6:34 | |
| نحو فهم أصيل لبيداغوجيا الكفايات
ركزت البيداغوجيا التعليمية التقليدية على المعلومة، تعليما وتذكرا واسترجاعا، وكان المتعلم الناجح هو الذي له القدرة الكبيرة على الحفظ والتذكر واسترجاع عدد كبير من المعلومات، وقد ألصقت هذه البيداغوجيا بمنهجنا التدريسي العربي والإسلامي خصوصا باعتبار أن عددا من العلوم إنما كان يدرسها الفقيه، في القرويين والزيتونة والأزهر وغيرها من الجامعات الإسلامية، ولذلك اتهم المنهج التربوي الإسلامي بالضعف والقصور فإلى أي حد يمكن التسليم بهذه الدعوى؟ إن المتأمل في كتاب الله وسنة رسوله ۖ وهما المصدران الأساسيان للتشريع¬ يجد أنهما أوليا عناية كبرى للعلم والفقه كما في قوله تعالى:{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}(التوبة:122) ، وقوله ۖ :«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». والفقه مرتبة أعلى من الفهم وأعمق من العلم، إنه الفهم الدقيق والعلم العميق، ولهذا نفاه الله تعالى عن الكفار المنافقين حين وصفهم بقوله تعالى:{قوم لا يفقهون} (الأنفال:65 والحشر: 13). ويدل على هذا أحاديث صحيحة صريحة، من ذلك حديث أبي موسى في الصحيحين قال ۖ : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ». ولاشك أن أعمق هذه الطوائف فهما هي الطائفة الأولى التي فقهت العلم وفهمته فهما عميقا، فانتفعت به ونفعت غيرها، واقل منها الطائفة الثانية التي حفظت العلم ولم تفقهه ولم تتعمق في فهمه، وإنما بلغته إلى من يفقهه ويسبر أغواره. أما أسوؤها فهي الطائفة الثالثة التي لم تحفظ ولم تفهم، فلم تنتفع ولم تنفع. فالناس باعتبار درجة فقههم ثلاثة أقسام: فأفضل الناس هو من فهم العلم فهما عميقا لا من اقتصر على مجرد الحفظ، لأن هذا الأخير قاصر عن إدراك أسرار ما يحفظ، ولذلك فهو محتاج إلى من يبين له ولغيره دقائق ما يحفظه ولهذا قال ۖ : «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»(صحيح البخاري). فقد فرق الحديث بين حامل الفقه والفقيه، وهو تفريق واضح صريح في أفضلية الفهم على مجرد الحفظ وهذا هو الذي كان عليه الحال في القرون المفضلة الأولى، وهو الاهتمام بالفقه والفقيه المتعلق بفهم الدين، فقد كان الصحابة والتابعون والأئمة من بعدهم يهتمون بإدراك مقاصد الشريعة والغوص في أعماقها لإدراك حقائقها ودقائقها، فهذا الإمام مالك يناديه أحدهم يا عالم! فقال الإمام الفقيه العالم هو من يخشى الله، فلخص له العلم في الخشية، فليس العلم بكثرة الحفظ، ولا بكثرة الرواية كما قال بعده الإمام أحمد حين سئل: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ فقال:لا، قيل: فمن يحفظ مائتي ألف حديث؟ قال:لا، قيل: فمن يحفظ ثلاثمائة ألف حديث؟ فأشار بيده وحركها يعني لا، فالمسألة ليست بكثرة الحفظ ولا بعدد المرويات، وإنما هي أكبر من ذلك، إنها تتعلق بمدى فهم هذه المرويات وإدراك الخيوط التي تربط بينها وتؤلف بين أجزائها، ولهذا فرق العلماء قديما بين العلماء وأوعية العلم فيقولون: فلان من أوعية العلم إشارة إلى كثرة مروياته وسعة حفظه، أما العالم فلم يكونوا يطلقونه إلا على المجتهد صاحب القدرة على الاستنباط والقياس والتحليل والتعليل، ولذلك يوصي الإمام أبو حامد الغزالي الفقيه بأن «يكون شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم ولا يكون عالما». هكذا كان العلم والتعليم في القرون الأولى مهتما بإدراك حقائق الأمور باحثا عن أسرار الأعمال ودقائقها، لكن في القرون المتأخرة انعكس الأمر، فبعدما كان الاهتمام منصبا على الفقه والفهم، أصبحت الأولوية للحفظ والحفاظ، وهو ما عابه ابن رشد على من سماهم متفقهة زمانه حيث بين لهم أن الفقه لا يكون: «بحفظ مسائل الفقه، ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسان، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة، لا الذي يقدر على عملها، وهو بين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة وهو الذي يصنع لكل قدم خفا يوافقه». وبعد هذا كله ¬ وغيره كثير¬ هل يجوز أن ننسب تلك الطريقة في التعليم القائمة على مجرد التلقين إلى المنهج الإسلامي، وأن نتهم منهجا قرره الله ورسوله والصحابة الكرام والأئمة الأعلام بالقصور وعدم مسايرة التطورات، أو أن نتعصب لمنهج الحفظ والتلقين وننتصر له بدعوى أنه منهج إسلامي أصيل انتصارا عاطفيا لا يقوم على أية دراسة أو بحث أو تمحيص أو دليل. | |
|