أهم أدوار المدرس وتقنيات التنشيط في بيداغوجيا الكفايات
مقاربة بيداغوجية ديداكتيكية عامة
مساهمة في تعميق التصور
ذ . التوفيق التضمين
حتى
الآن ، وفي غياب نماذج عملية كافية قابلة للتطبيق الميداني، نماذج متكاملة
مع مقتضيات واقع وحاجات إنسان العصر الحديث عامة، وإنسان الأمة المغربية
العربية الإسلامية خاصة، رامية إلى إيجاد إنسان متفتح على محيطه بكل
مكوناته ، مساهم بفعالية في تحقيق تنميته الشاملة ، فإنه قد يكون الآوان قد
آن لفتح الباب أمام التجريب التربوي المعقلن للإدلاء بدلوه ، في محاولة
لتأسيس قاعدة بيانات ، قد تسمح بتوفير المطلوب من تلك النماذج الموجودة ، نماذج تم إخضاعها للتجريب اللآزم لتحقيق الجودة اللازمة لزوم الروح للجسد.
في
هذا الإطار العام ، وقد أصبح التدريس بالكفايات اختيار أمة، جاءت هذه
المحاولة ، التي تحوم حول أهم أدوار المدرس، وتقنيات التنشيط في ظل
بيداغوجيا الكفايات، لتلازمهما وتكاملهما ، كأهم ميزة تؤشر على درجة
أهميتهما على مستوى الأداء الديداكتيكي والبيداغوجي ، وهي محاولة متواضعة
على كل حال، لكنها مؤمنة بأن مدرس الألفية الثالثة ينبغي أن يكون من طينة
أخرى، وعليه أن يضطلع بأدوار جديدة تساير روح الديموقراطية وروح العصر ،
دون تفريط في مقومات وقيم ديننا الحنيف ، وخصوصيات مغربنا الحبيب .
تقديم عام :
قبل
الحديث عن أهم هذه الأدوار التي قد يلعبها المدرس في تدبير وتسيير الحصص
التعليمية أو مختلف الأنشطة التكوينية في إطار المهام الموكولة إليه ، تجدر
الإشارة إلى العلاقة الجدلية الموجودة بالقوة بين تلك الأدوار من جانب ،
وأساليب وتقنيات التنشيط من جانب آخر ، والتي تستهدف في نهاية المطاف إكساب المتعلمين قدرات
( على اعتبار أن لمصطلح القدرة في اللغة الفرنسية دلالات مترادفة تؤدي المعنى نفسه الذي تؤديه كلمة
Compétence autorité.pouvoir.ressort.aptitude.capacité.qualification.savoir.connais sance.scienc .
إكساب
المتعلمين قدرات قدرات معينة ، أو تطويرها، أو تصحيحها مما يخدم تحقيق
الكفاية أو الكفايات المسطرة في نهاية حصة دراسية معينة ضمن مادة أو مجموعة
مواد ، أو نهاية دورة تكوينية ، أو سلك دراسي .
ذلك
أن الأبحاث التجريبية الحديثة حول السلطة والقيادة وأساليب التسيير ، قد
أتاحت لعلماء النفس خلال العقود الأخيرة ، تحديد ثلاث أساليب رئيسية
للتنشيط من حيث خصائص كل منها ، ونتائجها العامة على مردودية وسلوك وإنتاج
الجماعة ، ولكل أسلوب منها آثار شديدة الاختلاف على الجماعة، ويترتب على
الأخذ بأي منها انعكاسات بالنسبة إلى عمل الجماعة ومردوديتها وتقدمها نحو
أهدافها ، وهي على العموم لا تخرج عن الأشكال الثلاث التالية :
1 / أسلوب سلطوي أو توجيهي :
وفي
هذا الأسلوب < يؤكد المنشط دوره باعتباره قائدا ، فهو يضع جميع
التوجيهات والتعليمات ، ويؤمن الانضباط والنظام ، ويسير الجماعة بحسب خطة
وضعها مسبقا لم يطلع الجماعة عليها ، بحيث لا يكون توجيه الأنشطة واضحا
أبدا وثابتا بالنسبة للجماعة . إنه يفرض المهام ، ويوزعها ، ويكون الجماعات
الفرعية >( مجلة سيكلوجية التربية . العدد الأول . 1999 .مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء . ص: 124 - 125 .) ، كما يتتبع ويراقب الإنجازات ويقومها ، ويتخذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب .
2 / أسلوب ديموقراطي :
وهو
الأسلوب الذي نص عليه الميـثاق الوطني للتربية والتكوين ، المناسب
لبيداغوجيا الكفايات ، حيث < يحاول المنشط في هذا الأسلوب الاندماج في
الجماعة ، فالتوجيهات ليست سوى اقتراحات تكون موضوع مداولة بين أفراد
الجماعة ، اقتراحات يثيرها المنشط ويشجعها |..| وقد يكون التعاون كليا ـ لا
يحدد المنشط سوى الأهداف المروم تحقيقها ، ثم يتحول إلى عضو من الجماعة ـ
أو جزئيا ـ يقترح المنشط خطة عمل ، ثم يشارك بكيفية ديموقراطية في تنفيذ
الخطةـ>( مجلة سيكلوجية التربية . العدد الأول . 1999 .مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء . ص: 124 - 125 .) .
3 / أسلوب فوضوي :
وفيه
يكتفي المنشط بتقديم العمل < ويترك المشاركين أحرارا تماما في أن
يفعلوا ما يودون فعله . إنه لا يتدخل على أي مستوى ، لا من أجل المشاركة في
العمل، ولا بإعطاء توجيهات ، أو إعلان عن اتفاقه أو عدم اتفاقه ، ويجيب عن
الأسئلة بكيفية غامضة، ويتخلف تلقائيا عن الجماعة>( مجلة سيكلوجية التربية . العدد الأول . 1999 .مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء . ص: 124 - 125 .) وفي غالب الأحيان تتخلى الجماعة أيضا عن أداء المهمة نتيجة تخلف المنشط عنها .
تأسيسا
على ما سبق ، فإن المدرس الذي يروم أداء معقولا ، وتحقيق نتائج طيبة على
مستوى نجاح طلابه في تحقيق الكفايات المرسومة ، عليه أن يضطلع بأدوار جديدة
تساير روح
الديموقراطية وريحها الذي ما فتئ يهب ويزداد خلال بداية الألفية الثالثة
على كل أقطار هذا العالم على كافة المستويات ، بما في ذلك عالم التربية
والتكوين .
قد
يستصعب البعض هذه الأدوار ، وقد يذهب البعض الأخر إلى القول باستحالة
تنفيذها على أرض الواقع العملي الميداني ، لكن واقع الحال والممارسة ،
يؤكدان أنها من الأدوار التي درج عليها كل الأساتذة في تأدية مهامهم
اليومية بانتظام ، ولعل منشأ الصعوبة التي قد تعرض لبعض هؤلاء ، مرده
بالأساس إلى الدعوة الجديدة للانتقال من التعليم الذي مورس بدغمائية سنين
عددا داخل الفصول الدراسية ، والمؤكد على مركزية المدرس باعتباره مالكا
للمعرفة ، في مقابل سلبية المتعلم ، وحصر دوره في التلقي والاستيعاب الآلي
استعدادا للامتحان ليس إلا ؛ إلى التحول إلى التعلم المؤكد على مركزية
المتعلم وفعاليته ، وذلك عبر مساعدته ، بمده بحد أدنى من المعارف والمهارات
وغيرها مما هو مظنة تبليغه الوصول إلى المعرفة ذاتيا ، وبعبارة أخرى
مساعدته على بناء كفايات متعددة المجالات تمكنه من ذلك؛
أضف
إلى ذلك الخلط الملاحظ على مستوى تمثل العديد من الأساتذة لطبيعة
بيداغوجيا الكفايات كنسق تعليمي ، نسق يشتغل بالأساس على تنمية القدرات
كمجال للاشتغال الصفي ، لسيادة ميول نحو النزعة التجزيئية، واعتقاد البعض
بأننا انتقلنا من مدخل الأهداف ، إلى مدخل آخر مستقل وهو مدخل الكفايات ،
وبالتالي فهم يستبعدون أية علاقة بين المدخلين ، وتلك هي بعض مواطن الحيرة
التي وقع فيها جل رجال التعليم العاملين بالميدان حتى الآن ـ فيما نرى على
الأقل ـ.
بعد
كل هذا ، و من أجل إلقاء بعض الضوء على نماذج من تلك الأدوار الجديدة
المطلوبة من المدرس في ظل بيداغوجيا الكفايات وتدريس الوحدات ـ وهذا مجال
فسيح للنقاش والتجريب الديداكتيكي ـ تقترح الورقة التالية بعضا منها على
سبيل المثال لا الحصر من أجل الإحاطة والمعرفة أولا ، ومحاولة التجريب
الميداني ، في غياب النموذج العلمي في هذه البيداغوجية ، وأهم هذه الأدوار
كالتالي :.
1/ المدرس مصمما ومهندسا لعملية التعلم
إذا
كان المدرس فيما قبل يقوم بتصميم درسه على جذا ذات تحضير ، تركز على
خطواته ومراحله الأساسية ومحتوياتها ، وبمعنى آخر تركيزه على تخطيط التعليم
، فإنه أصبح اليوم مطالبا ـ من أجل تطوير أدائه ـ بأن يقوم بعملية تصميم
شامل وعام لمسارت التعلم أيضا ، وذلك بإعداد ملف خاص
بكل وحدة دراسية من وحدات المقرر ، وذلك بأن يعمل على تصور وابتكار وضعيات
محفزة ومثيرة أحيانا ، بل ومستفزة في حدود الطاقة الاستيعابية والتمثلية
للفئة المخاطبة ، واقتراح آليات التبسيط والتوجيه ، وإعداد وتنظيم فضاء
التعلم ، وتكوين مجموعات العمل ، وذلك في ضوء تتطلبه الكفاية أو الكفايات
المراد تحقيقها ، كما ينبغي أن يكون لديه تصور احتمالي لكيفية تدبير وضعية
الفشل أيضا ؛ فهو مصمم ومنفذ في نفس الآن ، وهو يقوم بهذه المهام انطلاقا
من المقرر الدراسي وتأسيسا عليه .
ويمكن
أن يشتمل الملف الديداكتيكي المشار إليه ، إلى جانب جذاذات الدروس ، على
كل الوثائق، والأوراق ، والأدوات المتعلقة بالوسائل التعليمية ، من شفافات ،
وصور توضيحية ، ونصوص مدونة على شرائح مثلا ، وقصاصات إخبارية ، ومبيانات ،
أو إحصائيات ، وما إلى ذلك مما يمكن استثماره في معالجة مفردات الوحدات
الدراسية المقررة .
2 / المدرس منشطا
من أهم أدوار المدرس في ظل بيداغوجيا الكفايات ، التنشيط :
ونقصد
به كل الطرق والأساليب والوسائل أو الوسائط التي من شأنها تنشيط التعلم ،
والمضي به إلى أبعد الحدود الممكنة ، عن طريق نهج أساليب تحفيز واستدراج
المتعلمين إلى المشاركة في التعلم وأنشطته ، فالمدرس هو الموجه لدفة
التعلمات المطلوبة عبر درس من وحدة دراسية ، أو عبر وحدة بأكملها .
والتنشيط
التربوي التعليمي هو توجيه لمسارات التعلم من أجل تحقيق الكفاية أو
الكفايات المطلوبة ، وقد يؤدي التنشيط الناجح إلى اكتشاف قدرات بناءة لدى
المتعلمين ، يمكن استثمارها والاستفادة منها في الوصول إلى أبعد من الكفاية
، وهو التمهير .
وهذا ، ولا ينبغي اعتبار التحفيز ـ
على أهميته الديداكتيكية ـ مجرد طرح إشكال أمام التلاميذ بداية الحصة ،
وانتظار استجابتهم لنقول بأن التحفيز قد آتى أكله ، وإنما على المدرس أن
يدرك بأن التحفيز معناه < خلق شروط محيطة تجعل التلاميذ يطرحون بأنفسهم
الأسئلة ، ومن ثم، تتحول المشكلة والبحث عن حلها إلى مسألة شخصية للتلاميذ ،
وليست مجرد استجابة لطلب المدرس >( عبد الكريم غريب.الكفايات واستراتيجيات اكتسابها .منشورات عالم التربية .ط.1 1421.2001 ص:197) .
3 / المدرس مسهلا لعملية التعلم
إذا
كانت القدرات أدوات لترجمة الكفايات ، كما تعد في الآن نفسه أدوات ربط بين
مكونات مختلف المواد الدراسية ، والأسلاك التعليمية ، لطبيعتها الامتدادية
التي يمكن أن تشكل موضوع استدعاء من قبل المتعلم في كل لحظة ، مادامت قد
أصبحت مندمجة في خبراته الاستراتيجية .
إذا
كان الأمر كذلك ، فإن أهم أدوار المدرس في ظل بيداغوجيا الكفايات هو
الاستكشاف، استكشاف القدرات لدى تلاميذه ، الفطري منها والمكتسب ، والعمل
على تصحيح الخاطئ منها ، أو تعزيز السليم ، أو تطويرها نحو الأحسن، مما
يساعد المتعلم على استخدامها وتسخيرها لتحقيق الكفاية ، أو الكفايات
المستهدفة في أية لحظة من لحظات حياته الدراسية والعامة .
وأكثر
من هذا ـ وهو ما ينبغي التأكيد عليه هنا ـ هو أن المدرس في ظل هذه
البيداغوجيا ، أصبح ملزما بتمكين المتعلم من أدوات عمل ، ومنهجيات ،
وأساليب ، وطرق، واستراتيجيات ، وكل ما من شأنه أن يساعد المتعلم على حسن
القيام بدوره في عملية التعلم على الوجه الأكمل ، بل ويسهلها في وجهه ،
تمكينه منها عن طريق تمريرها إليه ، وتدريبه عليها حتى تستدمج ضمن خبراته
العملية، وجعلها بالتالي متاحة أمامه للاستفادة منها متى دعاه إليها داع
ظرفي .
4 / المدرس موجها لعملية التعلم
من
أخطر وأهم الأدوار التي يضطلع المدرس في ظل بيداغوجيا الكفايات ، هناك
عملية توجيه تعلم تلاميذه ، حتى لا تزيغ أو تحيد عما تم تخطيطه ورسمه لها
بشكل مسبق، فهو موجه لدفة تعلمات تلاميذه ، مسؤول على تحقيقها وترسيخها
لديهم ، وذلك باتخاذ كافة التدابير والوسائل والأسباب الكفيلة بتعزيز تلك
التعلمات ، وسيرها السليم نحو التحقق ، بدفع كل المثيرات غير المرغوب فيها ،
أو المشوشة ، وتعزيز الإيجابي ، وحين التصرف في إدارة الخطأ مع حسن
التخلص.
5 / المدرس مقوما
فهو
مقوم لمفردات المقرر ككل ، ومقيم لكل وحدة دراسية ومدى تحقق الكفايات
المرتبطة بها ، ومقيم لكل درس من دروس كل وحدة دراسية على حدة ، تشخيصيا ،
ومرحليا ، وإجماليا.
إنه
في كل ذلك يقيم تعلمات تلاميذه ، ويقيم الكفايات ومدى تحققها ، ويرصد
الصعوبات والعوائق التي قد تحول دون تحققها ، كما يقيم المحتويات الدراسية
ككل ، مجسدة في مفردات الوحدات المقررة حسب المستويات المسند إليه تدريسها،
فهو باحث بهذا الاعتبار ، فضلا عن كونه مجرب .
وعلى
العموم فإن موضوع تقويم كفايات موضوع شاسع ودسم ، وليس هذا العرض بالمجال
المناسب لطرحه ، وإننا وإن كنا نرى لصوقه الأكيد بالموضوع الذي نحن بصدده،
فإننا نحبذ تخصيصه بورقة خاصة لأهميته ، وذلك ما سنعمل عليه قريبا بحول
الله تعالى .
من أساليب وتقنيات التنشيط
في بيداغوجيا الكفايات
بدءا
، يجدر بنا تحديد مفهوم الطريقة في التدريس ، إذ لا يقصد بالطريقة الخطوات
المنهجية الممكن اعتمادها لتقديم الدرس كما هو معلوم في كل مادة من المواد
الدراسية فحسب ، وإنما يقصد بها أيضا ، أسلوب العمل ، والكيفية التي يمكن
بها تنظيم واقتراح مختلف الوضعيات العليمية ، من أجل تحقيق القدرات
المستهدفة التي تمكن في النهاية ، من تحقيق الكفاية أو الكفايات المطلوبة ،
مما يتطلب من المدرس الكثير من الخلق والإبداع والابتكار والاجتهاد ، ليس
فقط لكسر الجمود والروتين الذي قد يتولد مع الأيام ، بل لأن هذا الأسلوب هو
الذي يحقق الهدف أكثر من غيره ، ومن البديهي أن يكون المدرس على إلمام كاف
بأساليب التنشيط الفعالة ، وبدينامية الجماعات ، فضلا عن معرفته بالكفايات
المحددة ضمن المنهاج الدراسي ، والقدرات التي تتفرع عنها، والتي ينبغي
توجيه الجهود ، إما لتحقيقها لدى المتعلم، أو تلك التي ينبغي تصحيحها ، أو
التي هي في حاجة إلى تطوير، مادام الغرض من التعليم لا يقتصر على < نقل
المعرفة ، بل يتعداه إلى تنمية المهارات الفكرية ، والسوسيوـ عاطفية، والحس
حركية ، وهو ما يعني مساعدة المتعلمين على تحصيل كفايات تكون في خدمتهم
طوال حياتهم >( د.عبد الرحيم هاروشي ، بيداغوجيا الكفايات ، مرشد المدرسين والمكونين . ترجمة لحسن اللحية وعبد الإله شرياط . ط. 2004 . ص : 17).
بناء
على ذلك وانطلاقا منه ، فإنه ينبغي لنا ـ وهو أمر مرغوب فيه في ظل
بيداغوجيا الكفايات ـ أن نتمتع بنظرة أكثر شمولية فيما يرجع إلى اختيارنا
للطريقة المناسبة لتقديم محتويات درس ما ، ضمن وحدة دراسية ، دون نبذ مطلق
لتلك النظرة الإجرائية التي تم اكتسابها في ظل بيداغوجيا الأهداف بأبعادها
المعروفة ، وذلك لعدة اعتبارات موضوعية نذكر منها :
ü أننا لم نسمع لحد الآن من يصرح بوجود قطيعة بين النموذجين إلا لماما .
ü أن الحكم على كفاية ما أنها قد تحققت ، لا يتم إلا عبر معاينة تجسيدها في إنجاز محدد سلفا يسمح بالملاحظة والتقويم .
ü أن
الإنجازات في حقيقتها إنما هي سلسلة من الأهداف الإجرائية العملية
السلوكية، عقلية، أو وجدانية عاطفية ، أو مهارية حركية ، تتآلف فيما بينها
وتتكامل ، لتظهر في النهاية على شكل إنجاز .
فاختيار
الطريقة المناسبة كأسلوب للتنشيط ، يبقى من الأهمية بمكان في ظل بيداغوجيا
الكفايات ، ولا بد من تمثلها في مكوناتها بشكل شمولي ، ومقاربتها عمليا
بمنهج مدروس ، وذلك على مستوى المنهجية ، والوسائل والأدوات المعينة،
ومراعاة زمن ووثيرة تعلم الفئة المستهدفة ، وطبيعة فضاء التعلم ، وكذا
استحضار هامش الخطأ الممكن، والتصور المسبق لسبل التعامل معه، ومواقع
وخطوات التقويم ضمن سيرورة الدرس ، إلى غير ذلك مما لابد من أخذه بعين
الاعتبار عند اختيار طريقة في التدريس .
وقد
يكون من باب السذاجة الاعتقاد بالاستقلالية التامة لكل طريقة عن أختها من
الطرق الفعالة المشهورة وغيرها ، أو التمسك بحرفيتها ومراحلها المقترحة ،
فقد يتوقف تحليل مضمون ما، أو تطوير مهارة ، أو تقديم استراتيجية معرفية
معينة ، أو غير ذلك ، على الاستعانة بأكثر من طريقة واحدة حتى تصبح خبرة من
خبرات المتعلم الدائمة ، ترافقه طيلة حياته ، أخذا بيده إلى الفاعلة في
بناء مجتمعه ، والمساهمة في تنميته .
وفي
بيداغوجيا الكفايات ، لا تستبعد أية طريقة من الطرق الفعالة ، فكل طريقة
تضمن الوصول إلى تحقيق |بناء| ، أو تصحيح ، أو تطوير القدرات المستهدفة بكل
أنواعها لدى المتعلمين ، يمكن اعتمادها بشكل كلي أو جزئي ، على أن نجاح
الطريقة لا يكون مضمونا إلا بشرطين اثنين :
1 / معرفة المدرس بأهم أساليب حصول التعلم لدى متعلميه .
2 / معرفته ببعض أهم الفروق الموجودة بينهم فطرة واكتسابا .
ويمكن إجمال هذين العنصرين في المبحثين التاليين :
نماذج المتعلمين
يختلف
المتعلمون كأفراد بينهم فروق على مستوى القدرات والميول والاستعدادات، في
طرق واستراتيجيات اكتساب المعلومات واستيعابها ، حيث تغلب عليهم سمة من
السمات التالية ، تجعل تعلمهم أكثر يسرا وسلاسة ، أو العكس ؛ على أنه لابد
هنا من التمييز بين هذه السمات كمميزات عامة في اكتساب المعارف والخبرات ،
وبين الأساليب العامة لتعلم الأشخاص كاستراتيجية مؤسسة على طبيعة التكوين
النفسي ، وظروف الوسط الاجتماعي والبيئي وما إلى ذلك ، مما يتميز به بعضهم
عن بعض .لظروف وأسباب موضوعية عدة .
ومن
النماذج التي أشارت إليها العديد من الدراسات ، هناك ثلاثة طرق أو بالأحرى
سمات مميزة لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين هي كالتالي :
1 / المتعلمون البصريون :
وهم أولئك الذين يعتمدون بالدرجة الأولى في تعلمهم على حاسة البصر ، وما
يشاهدونه عيانا ، كالمكتوب ، والمصور ، والخرائط ، والمبيانات وغيرها ،
ويأتي المسموع والملموس في المراتب الموالية، وهذا النموذج هو السائد ويشمل
نسبة كبيرة من المتعلمين.
2 / المتعلمون السمعيون :
وهم الذين يكون اعتمادهم على السمع وبشكل كبير في اكتساب جل المعارف
المقدمة لهم ، ويشكل البصر واللمس والحركة معينات تأتي في مرتبة موالية من
الترتيب من حيث الأهمية ، وتشكل هذه الفئة نسبة أقل من سابقتها من
المتعلمين.
3 / المتعلمون اللمسيون :
ويعتمدون في اكتساب معارفهم وخبراتهم على اللمس ، أو التذوق، أي التعلم عن
طريق وضع اليد في العجين كما يقال ، وهم يشكلون بطبيعة الحال قلة من بين
المتعلمين عموما .
4 / ويضيف بعض الدارسين ،
الأشخاص الذين يحصل التعلم لديهم عن طريق الحركة ، حيث تشكل حركة الجسم
جزء أساسيا من عملية التعلم عندهم ، وذلك أخذا بعين الاعتبار طبعا لمستويات
النمو الفسيولوجي، والمستويات العمرية والعقلية .
من أساليب التعلم .
لازال
علماء التربية إلى اليوم ينفقون الكثير من الجهد والمال في محاولة لتنميط
الأساليب التي تتحقق وتتم على أساسها عملية التعلم لدى الإنسان ، لطبيعته
الفسيولوجية المعقدة ، وتعدد مكونات شخصيته ، وبالتالي تعدد الأساليب
والاستراتيجيات التي يعتمدها لتحقيق ذلك ، ومن خلال كل تلك الجهود
والدراسات ، يمكن استنباط الأسلوبين التاليين كميزات يمكن اعتمادها لتصنيف
المتعلمين ، من منطلق ميلهم لتغليب أسلوب على الآخر، وهو استنباط لمقاربة
الموضوع ليس أكثر مما عدا ذلك، وإلا فإنه لا يمكن تصنيف المتعلمين على أنهم
مع هذا الأسلوب دون الآخر ، دون معايير ، مع عدم النفي الكلي للفروق
الفردية الممكنة داخل كل فصل على حدة، وهذين الأسلوبين هما:
1 / متعلم ذو ميول كلية :
وهو المتعلم الذي يتعلم بشكل أفضل كلما قدمت له المعلومات كوحدة أو ككل
مرة واحدة ، فهو يستوعب الموضوع في كليته دون الاهتمام بجزئياته .
2 / متعلم ذو ميول تحليلية :
نحو النقد ، والاستفسار ، والتحلي بمنطق الأشياء ، إنه المتعلم الذي يتعلم
بيسر كلما قدمت المعلومات في خطوات قصيرة متتالية ومنطقية .
وهنا
لا يمكن استبعاد حالة المتعلم الذي يجمع بينهما ، ويطفي عليهما مسحة من
الحكمة زيادة، لا ولا النفحات الربانية بمستبعدة كذلك ، وهي بالأولى .
إذن
، يجب مراعاة هذه المعطيات وغيرها عند التخطيط لأي تنفيذ عملي للدروس ،
وأخذها في الاعتبار كنوع من أنواع الفروق الفردية بين المتعلمين ، من أجل
تحقيق نتائج وأداء أفضل ، من خلال التعامل والتفاعل مع تلك الفروق بإيجابية
.
وبطبيعة
الحال هنا ، تتعدد الميولات بتعدد المتعلمين . ومن ثم ، جاءت أهمية إلمام
المدرس بأساليب تنفيذ خطط تنشيط الدروس داخل الفصول الدراسية بنجاعة
ومردودية ، توسيعا لمجال نظرته لموضوع التفاعل مع الكفايات عموما .
من أهم أساليب وطرق التنشيط
بعد
هذا المدخل ، ينبغي أن نشير إلى أنه ليس هناك أسلوبا واحدا بعينه ، يمكن
اعتماده دون سواه من الأساليب الأخرى ، بل لابد من التمتع بالنظرة الشمولية
التي تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التكاملية الموجودة بين كل الأساليب التي
سنعرض لها فيما يلي ، وعليه ، يمكن أن نقول أن من بين أهم الطرق المشهورة
في بيداغوجيا الكفايات ، يمكن على سبيل المثال لا الحصر ، الإشارة إلى
الطرق والأساليب التالية :
1 / طريقة الوضعية المسألة
(situation problem)
وهي
أشهر الطرق المعمول بها في هذا المجال في العديد من المواد الدراسية ،
وتقوم على أساس وضع المتعلم أمام مشكل ، أو إشكال في ظل وضعية تعليمية
معينة ، ودفعه عن طريق المساعدة غير المباشرة والتوجيه ، لتحليله إلى
عناصره الأساسية ، واستخدام معارفه ومهاراته المختلفة ، مع استخدام الأدوات
والوسائل المتاحة من أجل إيجاد حل له .
و
لا تختلف هذه الطريقة مع طريقة حل المشكلات إلا في كون الوضعية المسألة
تتعلق في الغالب بمشكلات جزئية ذات ارتباط بدرس أو وحدة معينة ، في حين قد
تشمل الثانية مشكلات أكثر عمقا وشمولية ، بحيث قد تشمل مجموعة من الوحدات
الدراسية ؛ ويمكن التمثيل للأولى بدرس في الفرائض خاص ، كطرح إشكال حول
ترتيب العصبة ، أو أصحاب الفروض، أو تحديد الوارث من غير الوارث في موضوع
الحجب مثلا ، وبالنسبة لطريقة حل المشكلات ، يمكن طرح إشكال عام يشمل حالة
أو حالات(فريضة) معقدة في موضوع المواريث ، وعلى المتعلم إيجاد حل لها
انطلاقا من مكتسباته التي تدرب عليها بشكل جزئي ، حالات تشمل كل مكونات
الدروس المقررة في الموضوع.