ننا نجد أن اللعب أو التعامل مع الخيارات الجديدة يتضمن المجازفة غالباً وهذا ما جعل الكثيرين يتحاشون اللعب ويسعون إلى النظام أو الطرق والآليات المعتمدة الثابتة والمضمونة, فهم يتحاشون التعامل مع الخيارات الجديدة غير المضمونة ويعتمدون فقط الخيارات الموجودة, أي هم محافظون. وبالمقابل نجد أيضاً المغامرين والمجددين والمقامرين والمكتشفين وهم قليلون, يسعون إلى الخيارات الجديدة والبحث عنها أو تطويرها, وكذلك هم يعدلون أو يجددون أهدافهم وغاياتهم أيضاً. ولكن يظل أغلبنا محافظين والقليلون هم المجددون. وإذا نظرنا إلى المواليد والأطفال فإننا نجد أن كل مولود مجبر على التعامل مع خيارات متنوعة جديدة, فالأشياء كثيرة وطرق تأثيرها متنوعة وليس له إلا التجريب والاختبار (اللعب) للوصول إلى الخيار الذي يعتبره الأفضل والأكثر فاعلية في تحقيق دوافعه وهو مجبر على ذلك (فكل المواليد لاعبون ), حتى مع وجود القيود والخيارات المفروضة عليهم من قبل والديهم وبقية الظروف والأوضاع, فهم يقبلون أو يرفضون هذه الخيارات حسب تعاملهم معها وتصنيفهم وتقييمهم لها, صحيح أن أغلب ألعابهم تكون محددة ومفروضة نتيجة الظروف وقدراتهم المتاحة ولكنهم يتعاملون أو يعالجون هذه الخيارات لكي يعتمدوا في النهاية طرقهم الخاصة بهم وعندها تنتهي ألعابهم بالوصول إلى الخيارات المنظمة المحددة الثابتة.
حل أي مشكلةً أو قضية تمارس فيه اللعبة
لحل مشكلة معينة تحدد وتعين العناصر المتاحة وكذلك الآليات المتاحة ثم تشكل الخيارات المتاحة من هذه العناصر و الآليات باستعمال منهج - آلية- معين ثم تجري محاولة حل المشكلة بتجريب الخيارات والتبديل والتعديل و التصحيح للوصول إلى الحل, ويمكن الوصول إلى الحل إذا كانت الخيارات المتاحة كافية ويمكن عدم الوصول وذلك بسبب ضعف الآليات المستعملة أو حدوث أخطاء, إي يمكن لبعض المفكرين الوصول للحل و البعض الآخر لا يتوصل مع أن الخيارات المتاحة المستعملة واحدة وذلك بسبب اختلاف منهج المعالجة, ويمكن أيضا استحالة الوصول إلى حل مهما استعملت من آليات معالجة فكرية مطروقة وعندها يجب البحث عن خيارات جديدة مناسبة لان الخيارات المتاحة غير كافية للوصول للحل.
إن التجريب هو تلاعب بالوقائع والخيارات وهو يستخدم آلية اللعب فاللعب والتجريب شيء واحد و ينتهي التجريب أو اللعب بعد الوصول إلى تحديد و تثبيت الخيارات في كافة المجالات, تجرى التجارب أولاً ثم تعتمد الطريقة الأفضل – حسب التقييم المعتمد
الصيد والقنص أيضاً تمارس فيه اللعبة
فهو تعامل مع الخيارات لتحقيق هدف معين و قد كان ممارسة الصيد من العوامل الأساسية التي ساعدت على نمو العقل و التفكير لدى الثدييات, و نحن نلاحظ أن الحيوانات الصيادة أو المفترسة تكون غالباً أذكى من الحيوانات غير المفترسة, و كذلك يتطور ذكاء الحيوان المُفترس فالذي يكون صيده سهل يقل أو ينقرض, فالصراع بين الصياد والفريسة فرض على عقل وجسم الصياد وكذلك عقل وجسم الفريسة التعامل مع الخيارات الأفضل للبقاء, وكلما تطورت الفريسة وصارت أفضل في حماية نفسها تطور الصياد وسعى لخيارات جديدة تساعده في تحقيق صيد فريسته. وكذلك أفراد البشر الذين يعيشون على الصيد يفرض عليهم تنمية مهاراتهم وآليات خياراتهم والبحث دوماً عن خيارات جديدة أفضل فاعلية.
فالصيد أو الافتراس يعتمد على تفاعل متبادل بين الصياد والفريسة, فتستعمل المناورة والخطط والدفاع والهجوم والاختباء والتسلل ..... والخيارات التي تستعمل هي خيارات جدلية متحركة ومعقدة وتستلزم تنمية مهارات فكرية وجسمية عالية.
نحن أحياناً نقول أن البائع يصطاد الزبون, وأن المرأة تصطاد العريس, وأن النشال أو السارق يصطاد الضحية ...
الاختراع و الابداع تمارس فيه اللعبة
يعتبر البعض إن الاختراع والإبداع هو إيجاد أو تكوين لبنيات جديدة ( مادية أو فكرية) ولكن هذه الظاهرة تحدث دوما وباستمرار في كافة مناحي ومستويات الوجود, ونحن في الواقع نعتبر الاختراع والإبداع هو خلق أو تكوين البنيات الجديدة والمناسبة لتحقيق هدف أو دافع أو وضع معين مطلوب, أي نريد إيجاد بنية أو آلية تلبي حاجة معينة وليس إيجاد أية بنية فهذا يحدث دوماً. فالاختراع هو إيجاد المفتاح المناسب لفعل معين أو إيجاد عناصر وآليات تحقيق الهدف. فالموسيقي الذي يؤلف مقطوعة موسيقية تبعث السعادة والفرح والنشوة لدى المستمعين هو يحقق بإبداعه هذا هدفه, وهو بعث السعادة لدى المستمعين. وكذلك الأديب والرسام والطاهي والمهندس والمفكر.....,الاختراع والإبداع هو التعامل مع الخيارات المتاحة لتحقيق هدف معين وهو لعبة فالذي يخترع يلعب وذلك بتعامله مع الخيارات وخاصة الجديدة منها. وطرق ومجالات الخيارات كثيرة ومتنوعة وغير محدودة, ولكن أغلب العقول تتعامل مع نفس الخيارات أو مع عدد محدود من الخيارات, فأغلب الناس لا ينظرون إلا إلى نفس خيارات الآخرين فيقومون بتقليدها والتي تكون عادة قليلة ومحدودة , فإذا وجدوا أن أحدهم ربح في تجارة معينة سارعوا إلى تلك التجارة وإذا وجدوا أن بعضهم تفوقوا في صناعة معينة سارعوا إلى تلك الصناعة...الخ بينما هناك الكثير من الأهداف و المجالات الأخرى وفي كافة النواحي يمكن أن تحقق النجاح والتفوق.
إن أهم شيء في الإبداع و الاختراع هو البحث عن الأهداف والخيارات الجديدة وعن الطرق والآليات والمناهج الجديدة وعدم التقيد والالتزام بتبني الأهداف و المناهج والخيارات السابقة والمحدودة, واعتماد التجديد في كل شيء في النظر وفي البحث و التفكير في كافة المجالات والطرق.
إن قدرات الإنسان العقلية والمادية هائلة جداً, تمكنه من الإبداع في ميادين ومجالات كثيرة كما أن الميادين والمجالات و الخيارات واسعة جداً ولكن معظم الناس يفكرون ويعملون مثل بعضهم ( وهذا نتاج آليات متوارثة لها مبرراتها أو عواملها و فوائدها فالتقليد والمحاكاة لهما دور فعال في التكيف و النمو أيضاً ) فهم يبحثون في نفس الأماكن وبنفس الطرق كأنهم واحد وعندما يأتي شخص مبدع- في نظرهم- بشيء جديد أو هام أو نافع تصيبهم الدهشة والتعجب, كيف توصل لذلك ؟ كيف فعل ذلك ؟ فهم لا يفكرون ولا يعملون مثله ولا يشاهدون ما يشاهد ولا يتنبأون بما يتنبأ, فقليل من العقول هي التي تنوع وتطور آليات تعاملها مع الخيارات فهي تجرب آليات جديدة أو تطور القديمة إنها غير محافظة, فهناك دوما خيارات وطرق جديدة يجب البحث عنها وإيجادها صحيح أن الكثير من الآليات الجديدة أو طرق الجديد بحاجة إلى خيارات وبنيات تحتية جديدة مناسبة لها تكون غير متوفرة بعد ويجب إيجادها أولاً, فالأنظمة السياسية المتطورة والمركبة الفضائية والغواصة النووية و حاملة الطائرات....., تحتاج إلى بنيات تحتية - خيارات متاحة مناسبة- بالاضافة إلى الآليات المتطورة الجديدة المناسبة لاختراعها, فالإغريق والفراعنة كان من المستحيل عليهم أن يخترعوا السيارة أو الراديو أو الطائرة...... فالخيارات التي كانت متاحة لديهم غير كافية, وهذا ما يستدعي إعجابنا الشديد بالمخترع الذي يخلق البنيات المطلوبة مع أن الخيارات المتاحة غير كافية فهو يوجد تلك الخيارات أيضاً , لأنه يوجد البنيات التحتية اللازمة لتشكيل بنية جديدة, والمخترع الخارق هو الذي يقوم ببناء و اختراع عدة مستويات من البنيات التحتية لكي يحقق اختراعاً معيناً واحتمال وجود هذا المخترع الآن أصبح ضعيفاً جداً نظرا لقدرات الفرد المحدودة ويمكن أن نجد الآن دولاً أو مؤسسات أو شركات.. الخ تحقق صفة المخترع الخارق .
إن التعامل مع الخيارات هو الطريق للإبداع في كافة المجالات, فالتجربة والخطأ أو التجريب, والاكتشاف والاستكشاف للخيارات الجديدة هو أساس الإبداع, ويجب توفر قدرات مناسبة وكافية للتعامل مع هذه الخيارات وخاصةً في هذا الوقت فقد أصبحت الخيارات كثيرة بشكل هائل ولا يمكن الإحاطة إلا بجزء منها ولا يمكن التعامل معها بكفاءة إلا بعد تصنيفها وتنظيمها وتخزينها بشكل مناسب ويلزم لذلك وقتاً ومجهوداً كبيرين , وكذلك توفر ظروف مادية واجتماعية وفكرية ونفسية مناسبة, فالخيارات اللا متناهية موجودة في الكتب والمراجع ولكن الوصول إليها وإلى المناسب منها, وتنفيذها هو الصعب. وعندما تكون الخيارات هائلة يصعب التعامل معها فردياً, والابداع يلزم ويفضل أن يقوم به فرد واحد (فهو أكثرجدوى) لهذا صار الإبداع الفردي قليلاً ومحصوراً في مجالات محدودة, وأصبح الإبداع والاختراع الآن تقوم به جماعات أو مؤسسات كبيرة وذات قدرات واسعة- مادية وبشرية -. ويلزم للإبداع والاختراع توفر العناصر التالية:
1- قدرات عقلية كبيرة ومنظمة وقادرة على التعامل مع الخيارات المطلوبة, بتصنيفها وتنظيمها وتخزينها ومعالجتها بآليات متطورة ومتنوعة , وبالتحريك الفكري المتطور, واكتشاف النظام والمعاني الهامة, والسعي إلى الاختزال والتبسيط , والقدرة على اكتشاف المشكلات والمتناقضات, والتعامل مع الفوضى والقدر العالي من التعقيد
2- توفر كمية الخيارات المطلوبة والمناسبة في المجال الذي يراد الإبداع فيه (كمية خيارات يستطاع تناولها وهضمها وتمثلها), واستعمال سلاسل أسباب مترابطة طويلة .
3- قدرات جيدة على تصحيح الخيارات المناسبة للوصول إلى الهدف المطلوب سواء في البحث عن خيارات جديدة أو تعديل طرق معالجة هذه الخيارات بالتوافق مع الاختيار الفكري الأفضل, والتأكد من التصحيح
4- تذوق اللذات الفكرية والمغامرات الفكرية والاهتمام بها , وتوفر دوافع وقدرات كافية للاستمرار والمثابرة والإنجاز
5- استخدام أقل قدر ممكن من المحاكاة والتقليد والاعتماد على الطرق والآليات الجديدة , وإذا تعذر فالمعدلة والمتطورة.
6- معرفة أن هناك دوماً الأفضل والأصح والأدق , و يجب أن تكون الغاية والهدف واضحان ومحددان بشكل جيد ودقيق ما أمكن ذلك.
أقوال في اللعب-
يقول فتجنشتين في نظريته عن ألعاب اللغة: والمقصود بهذه الألعاب أن لعبة اللغة مثلها مثل باقي الألعاب, كلعبة الشطرنج وألعاب الكرات والورق والألعاب الأولمبية. وكما أن لكل لعبة قواعد هي التي تحدد طريقة اللعب, وبالتالي لا يجوز مخالفتها, فكذلك للغة قواعد ولابد من مراعاتها, وعلى ذلك فإننا إذا خالفنا هذه القواعد فإن اللغة تفسد ولا يعود لها معنى و هذا ما يسميه فتجنشتين سوء استخدام اللغة.إن ألعاب اللغة هي صورة من صور الحياة و ما تتضمنها من أساليب كثيرة للكلام, حيث يتحدد معنى لكل رمز لغوي في هذه الحياة بالاستعمال الذي نلجأ إليه. كما أن كل استعمال إنما يتحدد ضمن لعبة لغوية معينة. وما أكثر الألعاب في حياتنا, فهناك إصدار الأوامر و إعطاؤها, وصف مظهر شيء ما أو ذكر مقاييسه, تكوين موضوع ما حسب الوصف (الرسم ), ذكر تقرير أو حادثة, ذكر احتمالات مختلفة عن حادثة معينة, تكوين الفرض واختباره, تقويم نتائج التجربة في قوائم وأشكال, تأليف قصة وقراءتها, تمثيل مسرحية, إنشاد الأناشيد, حل الألغاز, تأليف نكتة وإلقاؤها, حل مشكلة في الحساب التطبيقي, الترجمة من لغة إلى أخرى, السؤال, الشكر, التهنئة, الصلاة....., إن معنىأي كلمة أو عبارة إنما يتحدد بحسب اللعبة اللغوية التي ترد فيها هذه الألفاظ, ولا يجوز الحديث عن معنى لهذه الألفاظ إذا لم نأخذ بعين الاعتبار اللعبة اللغوية التي وردت فيها, كما أن طريقة الاستخدام إنما تتحدد بهذه اللعبة, يضاف إلى ذلك أن هذه الألعاب ليست ثابتة بحيث تعرف لمرة واحدة وإلى الأبد, بل إن هذه الألعاب تتغير وتفنى, وهناك ألعاب جديدة تستحدث وكأن لألعاب اللغة حياة كاملة حيث تولد وتتطور وتدخل في حيز النسيان, أما مرد ذلك فهو أن ألعاب اللغة صورة من صور الحياة, فهي في تطور وتبدل مستمرين, لنأخذ الألعاب المختلفة فإننا لن نعثر على عنصر مشترك يجمعها, فإذا انطلقنا من لعبتي الورق والزهر فإنه بإمكاننا أن نعثر على عنصر مشترك يجمع بينهما, ذلك أن الحظ يلعب دوراً أساسياً فيهما, لكن ماذا لو أدخلنا إلى هذه المقارنة لعبة الشطرنج...سنجد أن الشطرنج لا يعتمد على الحظ. لنأخذ سمة أخرى للألعاب وهي سمة الربح والخسارة, تشكل هذه السمة العنصر المشترك للألعاب الثلاث السابقة. لكن هناك ألعاب لا يدخل الربح والخسارة في حساباتها, وذلك عندما ننظر إلى طفل يلعب مع نفسه, إذ يقذف الكرة إلى الحائط ثم يعود قبلها. على هذا النحو نجد أننا كلما حاولنا إيجاد عنصر مشترك بين الألعاب فإنه سرعان ما يفلت منا هذا الأمر, هذا ما لاحظناه بالنسبة للألعاب اللغوية. إحدى طرق التفكير في الإبداع هي أن تتصوره مثل اللعب, لعبة إعادة تركيب الصور والتداعيات, والمشاعر, والعلامات الرمزية وعلاقاتها على نحو ما نرى في الموسيقى أو في الرياضيات أوفي الأساطير أوفي الفن التشكيلي.....ومناط الأمر هنا أن اللعب لا يتحدد باعتباره شيئاً غير هادف, وسبب ذلك أولاً أن اللعب بالرموز وبعلاقاتها ومعانيها على نحو ما نجد, على سبيل المثال في اللعب بالرموز الرياضية, إنما يفضي إلى اكتشاف أصيل, وإلى أفكار وتأكيدات يمكن إثبات صوابها تأسيساً على التواصل المشترك بين الذوات. وثانياً يمكن أن يكون اللعب جاداً للغاية فإن اللعب بالألفاظ والأصوات عند الأطفال وقت تعلمهم الكلام ليس مجرد لعب, وإنما هو تجريب وممارسة على استخدام نفس مادة الكلام.
ويستخدم شيلدون جلاسكو ( الحائزعلى جائزة نوبل في الفيزياء) مفهوم اللعبة في شرح الثورة العلمية الحاصلة, بالمثل التالي :
نفرض أن آرثر أجنبي ذكي جداً من كوكب بعيد يصل الأرض ويراقب شخصين يلعبان الشطرنج, وبفضول يعطي آرثر نفسه مهمتين: أن يتعلم قوانين اللعبة , وأن يصبح إستاذاً عظيماً فيها . وعن طريق المراقبة الدقيقة للحركات يتمكن تدريجياً من إعادة بناء قواعد اللعبة: كيف يتقدم البيدق وكيف يستولي الوزير على الحصان وكيف يكون الملك مكشوفاً.... . ومع ذلك فإن معرفة القوانين لا يعني أن آرثر قد أصبح سيداً عظيماً في هذه اللعبة. كما يضيف جلاسكو : ( إن المهمتين على القدر نفسه من الأهمية , فالأولى لا غنى عنها والثانية أكثر (أساسية) وكلتاهما تمثل تحديات للذكاء البشري . وبمعنى ما فإن العلم حلً في النهاية شفرة عدد من ( قوانين الطبيعة ) الأساسية, ولكن هذا لا يعني أننا أصبحنا سادة عظاماً عليها. وبالمثل فإن رقص الجسيمات الأولية داخل أعماق النجوم , وأنغام جزيئات( د . ن . أ .) وهي تتلوى وتنبسط داخل أجسامنا قد كشف عنه إلى حد كبير, ولكن هذا لا يعني أننا أصبحت لنا القدرة على تصميم الحياة.
اللعب شكل واقعي من أشكال النشاط عند الطفل ويعتبر شغله الشاغل خلال السنوات الأولى من حياته وهو وسيلته للتعرف على ما يحيط به والتكيف معه, ولأهمية اللعب في حياة الطفل يؤكد المختصون بأنه من أهم مطالب النمو في مرحلة الطفولة. لقد أظهرت نتائج العديد من الدراسات أهمية استخدام الطفل لحواسه المختلفة كمفتاح للتطور والتعلم, واللعب أفضل وسط لذلك, وإذا حرم الطفل من اللعب قبل دخوله المدرسة كان عاجزاً عن متابعة التعلم والتحصيل الجيد, فاللعب في هذه المرحلة ومراحل الطفولة التالية أمر حيوي لا يمكن الاستغناء عنه في تطور الطفل, وليس نشاطاً ترويحياً لقضاء وقت الفراغ....إن اللعب نشاط يقوم به الفرد ويسهم في تحقيق نمو معين..ويعتبر اللعب من أهم وسائل الطفل في تفهمه للعالم حوله. في اللعب يتشكل الإنسان كذات لنشاط, و يبرز اللعب في التطور النفسي للطفل, وقبل كل شيء كوسيلة لامتلاك عالم الكبار, ففي اللعب وفي مستوى التطوَر النفسي الذي بلغه الطفل يحدث امتلاك العالم الموضوعي للكبار. و يتضمن جو اللعب الاستبدال والتبسيط ( استقبال الضيوف الوهميين) و بهذا الشكل يحاكي في اللعب الواقع, و هذا ما يسمح للطفل نفسه و لأول مرَة أن يصبح ذاتاً للنشاط. ويعتبر اللعب النشاط الرئيسي للطفل قبل دخوله المدرسة, تعتبر المتعة التي يشعر بها الطفل خلال عملية اللعب باعثاً للعب. تعتبر الألعاب التركيبية ( الإنشائية ) أكثر تعقيداً. و فيها يخلق الطفل شيئاً ما: يبني بيتاً, يخبز الفطائر. و يفهم الأطفال في الألعاب التركيبية غاية الأشياء و تفاعلاتها المتبادلة, و تنتمي الألعاب التركيبية و الوظيفية إلى مجموعة الألعاب التحكمية حيث يستوعب الطفل خلالها العالم المادي و يعيد خلقه بشكل سهل البلوغ بالنسبة له. و بالتدريج تقحم في الألعاب القواعد التي تضع حدوداً لسلوك الشركاء, وإن اللعب الجماعي ذو الدور المحوري يوسع من دائرة مخالطة الطفل و هو يتعود الخضوع للقواعد و المعطيات التي تطلب منه أثناء اللعب, و تربي هذه الألعاب الشعور بالروح الجماعية و المسؤولية و احترام زملاء اللعب و تعلم مراعاة القواعد, و الألعاب حسب القواعد, موجودة بشكل واسع في حياة التلاميذ و الراشدين في المسابقات الرياضية وفي حل الكلمات المتقاطعة و في الألعاب الأخرى التي تتطلب الجهد الذهني.
اللعب أهم آليات الحياة, وهو أهم من آلية التزاوج, وآلية أو برمجة الموت, و آلية اللذة و الألم, فآلية اللعب تستخدم في التنافس و الصراع و البحث و المشاركة و التكيف, ففي الصراع و التنافس يذهب الخاسر و يبقى الرابح و كذلك في التكيَف فان المتوافق مع الظروف و الأوضاع هو الذي يبقى . و بآلية اللعبة حافظت الحياة على استمرارها ونموها و انتشارها و تطورها.
هناك علاقة بين القدرات على التعامل مع الخيارات لبنية ما وعمر هذه البنية ، فالبنية التي عمرها طويل تملك قدرات معالجة خيارات متطورة وفعالة استطاعت بواسطتها تحقيق هذا العمر الطويل , فالقدرات الواسعة والمتطورة في التعامل مع الخيارات ( التي هي أساس التفكير والتحكم ) هي التي سمحت للبنية بإطالة عمرها وبقائها, وبنية الحياة هي مثال على ذلك فبنية الحياة وعمرها أكثر من ثلاثة بلايين ونصف سنة ، وهي واسعة ومنتشرة بشكل مذهل على الأرض فعلى عمق 10 كم في البحار وعلى عمق عدة كيلومترات داخل التربة ، وعلى ارتفاع 100 كم في الجو وجدت كائنات حية ، وعدد أنواع الكائنات الحية بمئات الملايين , صحيح أن بنية الحياة ليس لها إدراك ووعي وهي تعمل من خلال بنياتها الجزئية ( الكائنات الحية وبنيات هذه الكائنات من خلايا وجينات وبروتينات .......) ، وبنية الحياة توصلت إلى بناء البنيات الفكرية وبناء عالم الفكر بعد أن طورت البنيات الحية وتكونت البنيات الفكرية ثم الفكرية اللغوية لديها, ثم تكونت البنيات الفكرية اللغويةالموجودة خارج العقول , والآن تكونت البنيات الفكرية الإلكترونية التي تستطيع أن تنمو وتتطور في العقول الإلكترونية .
إن حل أي مشكلة أو أحجية هو لعبة فكرية. و كثير من الأحاجي و المسائل تراوغ و تقاوم الحل مثل حل المعادلة من الدرجة الثالثة, و حل مشكلة الجاذبية و الكهرباء و إيجاد نظرية نيوتن و معادلات ماكسويل.... . , و إن التوصل إلى المعارف المعقدة عالية الدقة هو قمة الألعاب الفكرية. ففي لعبة الكرات الكونية التي أبدعها اينشتاين, تلعب المادة وقرينتها الطاقة دور الكرات والمغانط, فتغير من شكل الفضاء المحيط بها أثناء تحركها
اللعبة في أساسها تجربة الكثير من الخيارات و التوقف عند إحداها لأنها تكون مناسبة للوضع. إن لكافة الألعاب خصائص و آليات متشابهة, إن لم تكن واحدة, فكل لعبة تتكون من عدد من اللاعبين وهناك هدف للعبة و هناك رابحون و خاسرون و هناك قواعد و أسس أو قوانين تحدد كل لعبة, و لكل لعبة قواعدها وعناصرها الخاصة بها, و كل لعبة تعتمد على التأثير المتبادل بين اللاعبين وعناصراللعبة, فكل لاعب يؤثر على بقية اللاعبين و العناصر, و هم بالتالي يؤثرون به.
لكل إنسان ألعابه الأساسية التي تستغرق أكثرسني حياته.إننا نسعى دوماً لكي نلعب ألعابنا و لكن بنية المجتمع تقاوم اللعب غير المناسب لها. فهي تدفعنا لكي نلعب ألعابها, فبنية المجتمع تدفعنا لكي نلعب ما يناسبها و لعب ألعابها و صراعاتها, التي تحقق استمرارها و نموها. إن لكل لعبة هدف , وهو في أغلب الأحيان الربح و التفوق و كسب الصراع و يمكن أن يكون إيجاد الجديد أو الأفضل أو إيجاد اللذيذ أو الجميل أو تصحيح الأخطاء أو حل المشاكل و الأحاجي و الألغاز أو المساعدة في تحقيق النمو أو التوازن و التكيف, أو تحقيق الإدهاش و التعجب أو تحقيق التحكم والسيطرة أو القيادة و الإدارة. إن الفنان يلعب بالخيارات المتاحة له سواء كانت ألحانا أو ألواناً......الخ فيشكل شكلاً و يكَون بنيات جديدة تحقق تأثيرات حسية يسعى إليها و يطلبها الآخرون, فهناك الفنانون المبدعون المجددون, و هناك الفنانون الذين يقلدون و هم صنَاع و منتجون و ليس معنى ذلك أنهم أقل قيمة من المبدعين و المجددين فبالنسبة للآخرين ( المتلقون أو المتذوقون ) ليس هناك فرق فالمهم هو ما يحدث السعادة و اللذة و الجمال. فهناك الكثير من الناس الذين يرغبون بالقديم المكرر و لا يستسيغون الجديد و هناك أيضا من يرغبون بالجديد و يملون القديم بسرعة.
إن تحديد مفهوم اللعبة ليشمل كافة أنواع الألعاب لدى الإنسان و الأطفال و الحيوانات يحتم علينا تمييزها عن مفهوم الصراع و الربح و الخسارة.
قوال في اللعبة 1
من النادر أن لا تمر معنا كلمة لعبة أو يلعب في أي مقال أو كتاب نقرأه, وقد اخترت بعض الأقوال عن اللعبة والألعاب وهي كثيرة جداً وموجودة في كافة مجالات المعرفة وتظهر واضحة لكل ملاحظ , وأنا أذكرها لإظهار مدى اتساع وانتشار مفهوم اللعبة.
تعريف اللعبة عند جويل دي روسني - مؤلف كتاب الميكروسكوب _اللعبة هي نشاط يجري بين مسؤولين أو أكثر عن اتخاذ قرارات. حيث يحاول كل منهم أن يحقق غرضه (أن يربح الجولة) آخذاً في الحسبان بعض الالتزامات والحدود التي تحددها اللعبة (قواعد اللعبة) فاللعبة إذاً هي نموذج لسيرورات وقواعد يقابلها في الواقع حوادث ومواقف و غايات.
ويقول كلاباريد: إن ألعاب الأطفال يتجلى فيها الإبداع و الاختراع, إن الطفل الذي يلعب لعبة إعداد العشاء لا يخترع الأطباق و الشوكات و الملاعق و حسب بل كذلك تمثيل المقبلات و الشواء. و في ألعاب التركيب و التشكيل يتجلى على نحو واضح الإبداع والاختراع عند الطفل.
لقد عرف همفري التفكير أنه فن (حيث هو سلوك حل المشكلات ) بأنه ما يحدث في الخبرة عندما تواجه عضوية ما( بشراً أو حيواناً) مشكلة ما و تتعرف عليها و على حلها, و يمكن القول بنشوء مشكلة كلما تعذَر الوصول إلى هدف مرتجى بصورة فورية. وعليه فيمكن اتخاذ حل مشكلة ما كدليل على التفكير إذا ما بدا أن الحل ينطوي على تلاعب داخلي بعناصر الموقف أو توفير إشارات من الداخل ذات حضور غير إرادي. و لا يعتبر دليلاً على التفكير, حل حيوان لمشكلة ما بطرق المحاولة و الخطأ أو بتكرار استجابة حسنة التعلم لقيت مكافأة في الماضي. لا يمكن أن نصل إلى تقدم أوفر في فهم الظروف التي تحدد اللعب إلا بالنظر إليه كمظهر للمجال الكلي للسلوك الإنساني والحيواني . اللعب يمكن الطفل من السيطرة على الحدث أو الموقف المثير للاضطراب عن طريق السعي النشط إلى إتمامه بدلاً من الوقوف إزاءه موقف المشاهد السلبي عديم الحيلة0 ويظل اعتبار اللعب وسيلة للسيطرة على الأحداث يلقى قبولا ًبين الكثيرين 0
نظرية بياجيه في اللعب ملتصقة عن قرب بتفسيره لنمو الذكاء , وهو يسلم بوجود عمليتين يعتقد أنهما أساسيتان لكل نمو عضوي 0 وهما "التمثل " و" المواءمة". وأبسط الأمثلة على التمثل هو الأكل - الوجبة - فالطعام يتغير في أثناء عملية إدخاله للجسم ويصبح جزءا من الكائن العضوي 0أما المواءمة فهي توافق الكائن العضوي مع العالم الخارجي, كما يتضح مثلا في وضع الجسم, وفي تغيير الطريق لتجنب عقبة , أوفي انقباض عضلات العين في الضوء المبهر وتتكامل هاتان العمليتان وتتضمن كل منهما الأخرى ويستخدم بياجيه مصطلحي التمثل والمواءمة بمعنى أوسع لكي ينطبق على العمليات العقلية . فيشير التمثل إلى كل عملية يغير بها الكائن العضوي المعلومات التي يستقبلها(أي تمثيلها ببنيات فكرية) بحيث تصبح جزءاً من التكوين الفكري أو المعرفي لديه, و على هذا النحو يكون التمثل هو هضم المعلومات.أما المواءمة فتعني, أيٌ توافق يكون على الكائن أن يقوم به إزاء العالم الخارجي حتى يتمثل المعلومات. ويرجع النمو العقلي إلى التبادل المستمر النشط للأدوار بين التمثل والمواءمة. ويحد ث التكيف الذكي عندما تتوازن العمليتان أو تكونان في حالة اتزان, ولكن عندما لا تكونان كذلك فإن المواءمة أو التوافق مع شيء ما, يمكن أن يتغلب على التمثل, و هذا ما تنتج عنه المحاكاة. وبالمقابل فإن التمثل قد يتغلب بد وره, كما تحد ث ملاءمة الانطباع مع الخبرة السابقة وتكييفها لحاجات الفرد و هذا هو اللعب, إنه تمثل خالص يغير المعلومات المحصلة لتتلاءم مع متطلبات الفرد, ويكون اللعب والمحاكاة جزأين متكاملين لنمو الذكاء, ويمران نتيجة لهذا بنفس المراحل. ونظرية بياجيه تعتبر المحاكاة هي مقلوب أو نقيض اللعب ومكملة له, و تعطي نظرية بياجيه للعب وظيفة بيولوجية واضحة باعتباره تكراراً وتجربة نشطة (تهضم عقلياً)المواقف والخبرات الجديدة. وتقد م لنا وصفاً متماسكاً لنمو الأنشطة المتاحة ابتداء من هز الخشخيشة المعلقة , إلى إخراج القصص إلى حيز التنفيذ والألعاب الخشنة والصيد.
أما فرويد فقد اعتبر أن الخيال مستمد من اللعب واعتقد أن الأطفال يكفون بالتدريج عن اللعب بالأشياء الحقيقية, وأنهم يستبد لونها بأحلام اليقظة والخيال. والكاتب المبدع في رأي فرويد يفعل الشيء نفسه الذي يفعله الطفل أثناء اللعب, فهو يخلق عالما من الخيال يأخذه بجدية شديدة, وأحلام اليقظة ليست تافهة كلها إنها قد تكون وسائل للعب بالأفكار بتكوين مجموعات جديدة مترابطة من المفاهيم, وتجربة أساليب مبتكرة في النظر إلى العالم. وقد أدت تفسيرات فرويد للتخيل واللعب باعتبارها إسقاطاً ًللرغبات, ولإعادة تمثيل الصراعات والأحداث المؤلمة للسيطرة عليها, إلى نشوء وسائل لتقدير وقياس الشخصية على أساس الافتراض بأن اللعب والخيال يكشفان الشيء الكثير عن الحياة الداخلية للفرد ودوافعه. وقد استخدم فرويد اللعب التخيلي أو الإيهامي مع الدمى, وتأليف القصص عن الصور أو بقع الحبر ووسائل إسقاطية أخرى, استخدمت كلها للتشخيص الاكلينيكي وفي البحث العلمي. و فرويد أكد على أهمية اللعب في التعلم وتنمية القارئ.
واللعب مظهر جوهري من مظاهرا لإبداع كما يرى المؤرخ الهولندي يوهان هويتسينجا في كتابه (الإنسان وهو يلعب ) وهذا الكتاب محاولة لتحد يدعنصراللعب في الحضارة. واللعب وفقاً لنظرية هويتسينجا أقد م من أشكال الثقافة الأخرى والواقع أن الحضارة مشتقة من اللعب. وقد انتهى هويتسينجا على أساس تحليله لمعنى كلمة اللعب في الحضارات المختلفة إلى تصوير أن اللعب في معظم هذه الحضارات له علاقة بالكفاح والنضال. وكذلك بلعب الحب. وأن اللعب في أساسه هو القتال. وللفلسفة جذ ور في كثير من الأشياء, كلعبة اللغز المقدس والشعر في الألعاب الاجتماعية, كما أن الأساطير ما هي إلا لعب. وكذلك يعتبر هوبزنجا اللعب مطابقاً للسحر.
وقد عرف اينشتاين التفكير بأنه لعب إرادي بالمفاهيم.
شيللر قال يكون الإنسان إنسانا حين يلعب.
كانت واسبنسر وكثيرون غيرهم اعتبروا أن اللعب أصل كل الفنون
قسم شتيرن اللعب إلى لعب فردي ولعب اجتماعي وكل من هذين النوعين يحتوي على أنواع فرعية. ويتضمن اللعب الفردي السيطرة على الأشياء في ألعاب بناءة أو هدامة وتحويل الأشياء والأشخاص بواسطة التشخيص. بينما يتضمن اللعب الاجتماعي ألعاب المحاكاة والقتال.اللعب هو صورة الأنشطة التي تظهر قبل أن يتم تنظيم سلوك ما تنظيماً كاملاً. و يمكن أن تحدث هذه الأنشطة في الطفولة بشكل خاص قبل أن يتم تنظيمها في سياق محكم منظم.
اللعب هو النشاط الوحيد الذي لا يهدف الإنسان حين حمل سه إلى غرض محدد سوى المتعة الناتجة عن اللعب, فهو كالفن في رأي كانت , سرور و ارتياح بلا هدف أو متعة خالصة من أي غرض.
كان الغزالي يلح على مسألة اللعب ويقول:إن دخول مملكة الأطفال لن يكون إلا بالسماح لهم باللعب, وإن منعناهم عنه فسنرهقهم في التعلم, وسنميت قلوبهم الصغيرة, ونبطئ ذكاءهم, وننغص عليهم العيش حتى يطلبوا منه الخلاص.
لقد أصبح موضوع اللعب يتأثر بعدد من الكتابات على المستويات الفكرية. ففي مجال الفلسفة نجد فيلسوفاَ بارزاً هو تلميذ هوسرل يكتب كتاباً فلسفياَ هاماً عن انطولوجيا اللعب.
لقد قال بروس أن كل الوظائف الطبيعية للكائن الحي الراقي غالباً ما تستخدم اللعب . إن حرية الاختيار و عدم كون المرء مكرهاً على العمل من قبل الآخرين أو تحت ضغط الظروف هو ما يميز اللعب. إن درجة معينة من الاختيار و التخلص من القيود التي تلزمنا بها الطرق التقليدية في التعامل مع الأشياء والأفكار تعتبر جوهرية في مفهومنا عن اللعب و هذه هي الصلة الرئيسية التي تربط اللعب بالفن و الأشكال الأخرى من الإبداع.
يقول جاك مونو أن اللعبة هي عبارة عن نظام مغلق و ذي حدود ثابتة تحددها و تعينها قوانين اللعبة وأن الألعاب هي واسطة لتطوير و تحسين المجتمع. وأن التاريخ يؤكد أن الألعاب و لأكثر من مرَة قادت الإنسان إلى اكتشافات تقنية و عملية جديدة. و اللعب مثلاً عند صغار الثدييات الراقية عنصر هام في التطور السيكولوجي و الانصهار الاجتماعي و ينطوي اللعب إذاً كنشاط على قيمة مآلية, لأنه يسهم بتماسك المجموعة كشرط من شروط بقاء النوع و انتشاره.
من أبرز خصائص الإبداع الجديد لعب الأديب باللغة و قيام الأديب باللعب باللغة استتبع من الناقد أن يتلقاه بلعب مماثل بمعنى أن يلعب الناقد الدور نفسه مع النص.إن الربط بين اللعب واللغة هو نقطة محددة و ذات أهمية محورية في تفكيك " دريدا " _ هذا الربط بين اللعب في لغة النص المبدع و اللعب في لغة النص النقدي, على أساس أن النقاد حاوروا المبدعين في اللعب باللغة.
سيطرت رياضيات القرن العشرين على مملكتين جديدتين كاملتين هما نظرية الألعاب و علم المكان و ما نظرية الألعاب إلا تحليل للخطط سواء في ألعاب الأعمال التجارية العنيفة أو في ألعاب الحرب الباردة. تعتبر نظرية الألعاب التي كانت من أعظم مساهمات " فون نويمان " إحدى الاكتشافات الرياضية العملية الأساسية في عصرنا و هي تعبر عن قوانين الاستراتيجية المعتمدة, فتدلنا على أفضل السبل التي ينبغي نهجها في تغيير اللعب إذا ما أردنا ألا نهزم أمام خصم مراوغ. وتشير علينا بما يلزم عمله لنخرج بأقل خسارة ممكنة من وضع سيء أو لننتزع أعظم ربح ممكن من وضع ملائم. هذا إذا فرضنا أن أمامنا منافساَ يستخدم التحليل المنطقي و تقع تحت تصرفه إمكانيات و موارد معلومة. وقد استخدمت نظرية الألعاب في مجالات عديدة فساعدت مثلاً في تحديد أربح مجال زمني يجب أن ينقضي بين إصدار شركة لاسطوانتين متتاليتين يتوقع لهما نجاحاً عظيماً. واستخدمت حديثا في عقد أبرمته إدارة الأبحاث البحرية في الولايات المتحدة لتحليل البنية الرياضية لأنواع من الاقتصاد المتنافس الشبيه بالاقتصاد الأمريكي. وتستطيع هذه النظرية أن تدلنا على السبيل إلى إيجاد الخطة - الاستراتيجية - الأقرب للحصول على تعادل في الألعاب التي لا نضمن الربح فيها. وقد نتج من ذلك تبني المعسكرات في الحرب الباردة فكرة الخسارات العظمى التي تصغر إلى حدها الأدنى, وهي الخسارات التي اكتشفها فون نويمان .وسماها أصغر العظيمات. ولعل هذه الفكرة تفسر سبب عدم نشوب الحرب العالمية الثالثة والاكتفاء بإدارة الحروب المحلية المحدودة