[center][center]قبر الغريب
شعر/نصر عبد السلام الأصبح
مررت على القبور فهاجنى
قبر تبكيه أيامه الغبر
تأملت الصفوف وكلى لوعة
بصمت يرديه فضا قفر
ما للقبور تبدو نياقا
لها يخفق الفؤاد والصدر
بركت فى الظلام كأنها
جبال على قممها جسر
جوانبها شرق الظلام وغربه
أغربة نعّابة وأشباهها الكثر
دخانية سوداء لها نقع
لا ترى فيها غرسا له نضر
كم فى ثراها عظيم حكاية
تطير لها الشعل الحمر
يكتب صمتها كل سؤل
عن كسر فى الحياة ماله جبر
يطالعك فيها عريض لوح
أثقلته نعوت لها تبر
هى فى سالف الدهر شامخة
بات يرهنها النجاة أوالأسر
وهذا القبر بات مسلكه
قفرا يصافح بابه الهجر
قبر الغريب شاه معلمه
فلم يأذن لزوّاره فجر
عليه ليل يزفر ماردا
والنسر جاحم الحشا له وحر
كم لغيرك ياغريب نصيب
بغانية لها ترتيل وقدر
تحنو على من سواك حبا
وأم الكتاب من ثغرها سحر
فلغيرك نثرت ورود
منها فاح الزهو والعطر
فياقبر الغريب ياقبرى
عليك يبدو الأسى والنكر
تسفح مقلتى دمعا طريفا
له فى مجرى الخدود نثر
بدرك غريب وهالته
سياج تبدّى له ختر
أى اثم أذ قضيت بموطن
به الهلوك أزكى شبقها الفجر
أى اثم أذ كنت منساقا
لأخرق القول له غدر
اثمك أذ قضيت فى غربة
جفاها بضّ الكفوف والأثر
فقبر غيرك مظهره مستكين
وباطنه أن شف له خبر
أسفى على حال بات ينشدنى
والفجر الغريب منى والصبر
هذى السنون ترقى وتعتلى
وقبر الغريب يسعى به الذكر
يأبى الفجر أن يبل ثراه
والشمس تنأى كذاك والبدر
فأن بات النحس سقيا مرقد
فدع الخطوب تعرو كما تعرو
فالبلوى تسرى قناعا مهلهلا
على صدع له ينشج الصدر
فدع اليل يصفر على طلل
ودع الناس يسودهم سكر
فأن ضنّوا عليك بأم الكتاب
فكم شتيم ساده القهر
وأن تلاقوا على غيرك مشفقين
اذ تلاقى بعينك الشفر
وطال المكث بقلب ضنين
فسر الفتى بقاءه الصدر
هم يجافوك وأنت بينهمو
على حال غنى له الفجر
أبعد الموت والنسيان ديدنه
تلتقى أطراف أنملك العشر
أنت الحزين لغربة باءت
جحودا يربيها لنا الكفر
أشم منك كل طامية
يئن من وقعها الظهر
أعير نفسى من صميمى تجلدا
فتصرخ أعماقى غلب الصبر
وأكتم ماألاقى من الأسى
فيصول من خلق حر
لك منى ياقبر دمعة
هى فى العين حميم وجمر
فيك وحدى أعلم علة
لها سلاليم بينها الكسر
ياقبر الغريب ياقبرى
كم يحار فى ثراك الفكر
ياقبر الغريب ياقبرى
لاأدرى كيف المنافع والضر
فمن يدرى لعل فتاك راض
والأ مر بين القبور أمر
قضى موصولا فبات يؤنسه
حور وولدان وطهر
حدث بالله فأنت مرآتى
أصالحا أسلفت فلك النصر
فظاهرك الذى يبدو انقباض
ولعل باطنك نور وعطر
فلا يغررك ورد خريدة
وغانية ريقها الخمر
فالموت قارعة أن حل زمانها
أهلك الحسن ذلك الدهر
قبر غيرك بمظهره المعلّى
لديه عند مخبره سرّ
من يدرى لعل الورد سوط
والزائرين نكر ولم يدروا
من يدرى لعل التراتيل جمر
فكم قبر أحاط به العسر
فهل يرضيك زوّار وورد
ان ولّى الرحمن واليسر
فما كان القبر يوما بمظهره
فروضه الأيمان ودونه الكفر
وأن جفوك وأنت صنو
فما لهم فى ودهم أجر
وان اعتذروا اليك بغربة
فقد أفسد المروءة العذر
وان جحدوا فى الجوار معنى
فما أنت فيه لهم زجر
دع عنك هذا وحدثنى
فوجدانى لعزيز القول قسر
فكم قول يحرق كل معنى
وكم فكر فيه التوقّد والجمر
أنا مثلك فقدت الصبر مكتوفا
وصنو ذاتى التلفّت والزعر
فخلت الدجى صبحا يؤرّقنى
والضحى ليلا يسوده الزأر
ثمة عشت رهين خوف
على ظمأ ولى بحر ونهر
وهجين الأسى يقتل صبوة
تؤز كما أزّت على نارها القدر
فأن صرت لما أنت فيه
صرنا قبرين سياجهما الهجر
ويمسى كلانا فى غربة
فلا أهل هناك ولا ذكر
وكأن الحياة ما ضمت
عبقريا له فى العلا فكر
بات مبتورا يلعن حظه
له عد يدعى به الصفر
هذى الحياة سبيلها غدر
ان لم يثره الحق أثاره الخسر
أعد ساعاتى بك متمثلا
فيهز أعماقى أسى وبشر
ثمة أهرب لا لحبيب
فيسلبنى هذا الفضا القفر
أنا مثلك ياقبر الغريب
ملكى فى الحياة لحد وقبر
لم تعد عينى ترى جمالا
بل مكرا يلهو به المكر
وقبرى بين القبور قبر
فلا ثيب عليه ولا بكر
ولا دمعة ترعى حقوقا
ولاصفحة تبقينا ولا سطر
حدث بالله ياقبر الغريب
أدنيانا أدهى أم القبر
وهل فى عالم الأرواح ود
يزينه الترفّع والطهر
وكيف الغريب فى مرقد
وكيف الغنى فيكمو والفقر
ياقبرالغريب ياقبرى
لاأدرى كيف المنافع والضر
ياقبر الغريب ياقبرى
متى يأذن لزوّارك الفجر
تمت بحمد الله وفضله هذه القصيدة
قبر الغريب ياقبرى
للشاعر /نصرعبد السلام الأصبح[center][b]