بين الرماد و اللهيب
بقلم : بغداد سايح
*********
إذا كانت مدينة مغنية علمتني الرجولة فمدينة تلمسان علمتني أن أكون شاعرا أحمل عبق تاريخها في قمصاني.في روض ذاكرتي الأحبابُ قد ساحوا ** لاحت تجاعيد أشواقي و ما لاحوا
هذي تلمسانُ..هذا الدمع يعشقها **إني بكيتُ وفـي عينـيَّ أفـراحُ
أنا..أنا المغنـويُّ الحـرُّ تسكننـي** بيوت عزٍّ من الماضـي و أشبـاحُ
بداخلي يغْمراسنُّ الشموخ مشـى** روضاً من العنبِ اخضرّتْ به الراحُ
دمي دماء ابنِ تاشافينَ صارخـة** وفي عظامي مصالي المجدِ صـدّاحُ
فلوْ عصرتـمْ خــليّاتي بأرحيـة ٍ** لطار منها بنو زيّـان أو صاحـوا
المشْور الضاحك الباكي يسائلنـي:** "و هل سيوفٌ جرتْ برقاً و أرمـاحُ؟"
أغرغرُ العشق في حلقـي فتشربـهُ** منصورةُ الصمت أشواقاً وتجتـاحُ
"سيدي بُمدْينَ" يلقي للرّبـى قدمـاً** زهْواً على كتف الأيّـام يرتـاحُ
و للوريطِ غنـاءٌ سـال يعزفـهُ** حبّ الملوكٍ لـه الريحـانُ مـدّاحُ
متيّمٌ بـابُ قرماديـن يشبهنـي ** ما في جيوبـه للعشّـاق مفتـاحُ
ستّي الجميلة ُ يا عينيك يـا لغـة ً** تلعثمتْ وتراً و اللحـنُ إفصـاحُ
الوجهُ من شعركِ البنّيِّ يسرقنـي** لبّى الفراشُ إذا نـاداهُ مصبـاحُ
مددْتُ كفّي إلى خدّيـكِ مبتعـداً** نسيتُها..رحتُ..إنّ الوردَ ذبّـاحُ
جمالكِ الخمرُ صبّتها الخُطى ولنـا** أحداقنا في أيادي العشبِ أقـداحُ
مدينتي بيضـة ُ التنّيـنِ أفقسهـا** كأننـي محّهـا أوْ غربـتـي الآحُ
رميتُ رجليَّ زحفـاً فـي أزقّتهـا** بعضُ المحبّيـن ثعبـانٌ وتمسـاحُ
يُهسهسُ الماءُ في وديـانِ قصّتهـا** سرّاً أواهُ مرينيّـونَ مـا باحـوا
أرضُ الحضارةِ ضوءُ الحبّ يحرثها** ماذا سيزرعُ غير الشمس فـلاّحُ؟
كلُّ الدروبِ هنا غنّتْ قصائدنـا** حتّى الزنابقُ منها الشّعـرُ فـوّاحُ
نزفتُ شعراً جميلا ً أحمـراً عبِقـاً** مثل الطباشيرِ إذ ْ تهـواهُ ألـواحُ
فمي على حُلمةِ التاريـخِ يلثمهـا** كما يقبّلُ فيهـا التـوت تفّـاحُ
تغزو الزهورُ جبينَ التـلِّ مترعـة ً **فزهرنا كأبـي العبّـاس سفّـاحُ
تموءُ أضواءُ هذا النجم ِ في كـرزٍ** وخلفَ ليموننا الزيتـونُ نـوّاحُ
نفارقُ الشمسَ..نلقى أصلنا قمراً** في إبطِ ليلتنـا ينـدسُّ إصبـاحُ
يا أصدقائي شراييني لكـمْ طُـرُقٌ** ما أقفرَ القلب إنْ سكّانهُ راحـوا
لا تتركوني رمـاداً إننـي جسـدٌ **من اللهيـبِ وأنتُـمْ فـيَّ أرواحُ